السياسة السودانية

كاتبة مصرية: الطيب والشرير والوحش!

[ad_1]

حين قتل قابيل أخيه هابيل، بدأت دراما الشر على كوكب الأرض، وتم التأكيد على أن طبيعة الإنسان ليست كتلة خير كاملة أو كتلة شر متحجرة، فكل شخص مزيج من الخير والشر، قد يتغلب أحدهما على الآخر، ومن هنا يأتي التصنيف الواضح للناس من حولنا، ولكن ما يثير الدهشة أننا نجد الجميع يميل إلى أن يسمى ابنه قابيل، ولم نسمع كثيرًا بأحد سمى هابيل؛ رغم أنه الأكثر طيبة! وكأن النفس البشرية لا تقتدي أو تحترم إلا الأقوى وليس الأنقى.

ولكنهم لا ينعتون أحد بالأقوى على اعتبار أنها صفة حميدة، ولكن الهوى البشري يميل إلى مديح الطيبة والطيبين أو هجاء الأشرار.

ومؤخرًا بعد التطورات الجوهرية التي طالت الساحل الشمالي بكل قراه ومشاريعه، بما في ذلك مدينة العلمين الجديدة، قام الشعب المصري بخفة ظله المعهودة التي يستخدمها دائمًا كوسيلة مهدئة في أحلك الظروف، بتقسيم الطريق الساحلي إلى ثلاث طبقات أو تصنيفات، من الكيلو 21 بعد العجمي وحتى مارينا “الساحل الطيب” على اعتبار أنه الأقدم، فضلا عن أن أسعاره المعيشية أهون من غيره، بالإضافة إلى أن وسائل الرفاهية محدودة، فقد تم تصميمه على حسب المزاج المصري القديم، شاليه وحديقة صغيرة وبحر وبعض الحانات والمحال، ثم مقاهٍ بسيطة للسهر، وبداية من سيدي عبدالرحمن يبدأ رأس الساحل الشرير، قرى سياحية شيدت على الطرز الحديثة وحياة بها قدر من التنوع في وسائل الترفيه والعديد من المطاعم والمقاهي ذات الصيت، وتطور شاطئ البحر إلى ما يسمى “لاجون”، وهي بحيرة ممتدة من البحر، ولكن دون صخور وأمواج، وانتشرت أماكن السهر التى تغنى بها الفنان عمرو دياب، أما الرحلة الأخيرة بداية من رأس الحكمة وسيدي حنيش “ساحل الوحش”؛ لأنه أكثر حداثة وتطورًا وشراسة في الرفاهية.

وقام شعب السوشيال ميديا باستهلاك هذه التصنيفات طيلة الصيف والإسقاط عليها في مناحٍ كثيرة؛ سواء طبيعة الملابس أو أنواع الطعام وربما الحفلات التى يحييها كبار المطربين، وصولا إلى أرقام لوحات السيارات!

وفي يومٍ ما على أحد الشواطئ الشريرة، وجدت طفلًا يحمل طارة معلق بها “سلاسل” هاندميد بألوان صيفية زاهية، فقدم نفسه وسنه، وأوضح أن هذه القلادات من صنع يده هو وأخته الصغرى ذات السبعة أعوام وهو يكبرها عامًا، وجاء كلامه مزيجًا بين اللغة العربية والإنجليزية؛ مما يؤكد أنه يدرس في مدارس أجنبية، وفعلًا ابتعنا منه بعض القلادات تحفيزًا له حتى ظهرت والدته، وإذ بها سيدة راقية وأنيقة وأبلغتنا أن لديهم حسابًا على إنستجرام وابتسمت وذهبت، بينما استأذنتها لالتقاط صورة مع طفليها ورحبت، وهنا اندهشت جدًا لأنه ليس بإمكان شخص غريب الدخول إلى الشاطئ للبيع، فلا وجود لباعة جائلين إلا التابعون لشركة معينة، وهذا يعني أنهم ملاك في القرية، ورغمًا عن هذا فهم لا يلعبون في البحيرة كأقرانهم، ولكنهم قرروا أن يتعلموا كيف يستعدون لمواجهة المستقبل بكل ثبات دون الاكتراث بالمظاهر الخادعة، وهنا علينا تحية الأم التي تخلت عن الأقنعة الزائفة سعت لإعداد جيل يعتمد على نفسه وسط هذا الهراء المخزي.

وهنا أمعنت النظر حولي لتقع عيني على وجوه مستبشرة من الشباب المصري الجدعان الذين يعملون من حولنا بمنتهى الحماس والنشاط، وهنا نضح سؤال ملح: كيف للساحر الشرير أن يعج بكل هذه الإيجابيات؟ وكيف يستوعب آلاف الأيدي العاملة من الشباب؛ سواء الخريجون أو الطلاب؟ وكيف يتيح فرصًا للعمل قمعًا للبطالة والهجرات غير الشرعية وارتفاع الجريمة والعنف.

وأتفق تمامًا مع المؤرخ الإنجليزي إدوارد جيبون مؤلف كتاب “اضمحلال الإمبراطورية الرومانية وسقوطها”؛ والذي قامت فلسفته على أن التاريخ قائم بشكل كبير على تسجيل الجرائم، وأضاف مقولته: “يوجد في الطبيعة البشرية نزعة قوية للتقليل من قيمة مزايا العصر ولتضخيم شروره”.

وأتمنى عليك حضرة عزيزي القارئ القليل من التدبر والتفكر قبل السير قدمًا ضمن قطعان السوشيال ميديا، فلا يوجد شرير وطيب، ولكن خلقنا طبقات، ونظرًا لأننا تجاوزنا 105 ملايين نسمة فالمنطقي جدًا أن تصبح كل طبقة عريضة، وكل غني هناك الأغنى منه، وكل شرير يوجد من يتغلب عليه في الشر، وعلينا أن ننظر إلى الجوانب الإيجابية ونعمل على تطوير ذواتنا، والاستمتاع بما رزقنا الله مكللا بالرضا، فالغضب والنقمة وكثرة الشكوى تحرق الجهاز المناعي والعصبي والنفسي، وتزود إحساسنا بالألم من الظروف، فلماذا نقاتل أنفسنا لنحصل على صك الشر؟!

د. هبة عبدالعزيز – بوابة الأهرام
2023 638197587782921898 292 main

[ad_2]
مصدر الخبر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى