في رَثَاءِ وَطَنٍ (السُّفَرَاءُ يَحكمُونَ الخرطوم)..!
[ad_1]
للأسف نحن نتدحرج للقاع إن لم نكن فيه من القابعين منذ سنين:
لم تعد روابط الوطن تجمعنا، بل أصبح الوطن ساحةً للاحترابِ والعراكِ.
لم نعد نستظل بذلك العلم بكل ما يحمل من رمزيات، بل أصبح العلم مصدر تجاذبنا، مثلما نقل فيديو شهير لسعيد عباس في اعتصام القصر العام الماضي:
كلٌّ يمسك بطرف العلم ويجرّه عليه حتى تمزّق وسقط على الأرض، فداست عليه الأقدام..!
لم يعد لدينا كبار أهل رشد وحِكمة ونزاهة، جميعهم صغار أصحاب حاجات صغيرة، وأيادٍ خفيفة وغير نظيفة..!
يتسابقون ليل نهار على طَرْقِ أبواب السَّفارات، ويُفاخرون بذلك دُون خجلٍ أو حياءٍ..!
قالها أديبنا الراحل الطيب صالح:
مَن الذى يبني لك المُستقبل يا هداك الله وأنت تذبح الخيل وتُبقى العربات، وتُميت الأرض وتُحيي الآفات..؟
إذاً لماذا يحبُّونه وكأنّهم يكرهونه، ويعملون على إعماره وكأنّهم مُسخّرون لخرابه..؟!
السفراء في الخرطوم هم من يحكمونها، ويُحدِّدون لها أصناف الطعام وأوقات المنام، ومَن يحكم، ومَن يضام، ومَن يجلس على الرصيف..!
جاء على السُّودان زمانٌ لم يعد فيه حرجٌ أن تُدفع مرتبات رئيس وزرائه وأعضاء مكتبه من المنظمات والدول الأجنبية، يأخذونها عن يَدٍ وهم صاغرون ومُبتسمون، وعلى شفاهم يحط الذباب..!
لم تعد الأحزاب والطوائف والمنظمات المدنية مراكز انصهار وطني، هي محض لافتات للتسوُّل والتسلُّق والادّعاء والخِداع.
انهارت كل تلك التكوينات الحديثة أو ذابت كقطع الثلج وشُمُوع الشتاء.
وعاد ولاء السُّودانيين لعناصر الانتماء الأولية/ القبيلة والجهة والإثنية/ عاد سُودان محمد علي لما كان عليه الحال ما قبل السَّلطنة الزرقاء وحريق إسماعيل وسنابك خيول الدفتردار..!
حتى قيادات الإسلاميين من هم في السُّجون لبضع سنين دون مُحاكمات، فقدوا ثقتهم في حزبهم وحركتهم وشعاراتهم القديمة، وباتوا يستنصرون بقبائلهم ومناطقهم، بحثًا عن طوق نجاة فردي، وعَادَ أيلا تحت راية البجا..!
الوطن أصبح فكرة حالمة في دفاتر الماضي، وأحاديث الذكريات، وأغاني إذاعة أم درمان.
مضت الغابة مع الجنوب، وسيمضي البحر والنهر مع الشرق والشمال، وستعود دارفور إلى ما قبل مقتل علي دينار..!
وستقتسم دول الجوار خيارات وطنٍ مُمزّق الأوصال، مُبعثر الوجدان، مهيض الكبرياء.
وسنبكي غدًا مع آخر أمراء الأندلس على وطن مُضاع ذهبت بريحه صراعات العدم وحصائل الأصفار..!
وعلى قول البرير:
هيَ.. فكرةُ البيتِ الذي ستر الطّلاءُ أنينهُ
واسْتوطنَتْ في جَوفهِ كُلُّ الشُّرُوخْ.
وستحكي الحبوبات لأطفال المهاجر والملاجئ عن قديم الزمان عن وطن كان اسمه السُّودان..!
ضياء الدين بلال
مصدر الخبر