فتيات من دلتا النيل يصنعن تاريخ هوكي الحقل مع نادي الشرقية
نشرت في:
رغم طبيعة المجتمع المصري المحافظ، استطاعت فتيات كثيرات من محافظة الشرقية بدلتا النيل إيجاد موطئ قدم لهن في رياضة هوكي الحقل التي كانت منذ عقود حكرا على الرجال، إذ اكتست شهرة كبيرة في المنطقة بفضل تفوق لاعبات النادي المحلي وحصدهن كثيرا من الألقاب محليا وقاريا. ورغم غياب المواكبة الإعلامية والدعم، يحرص مدبرو الشأن الرياضي على الاستمرار في الحفاظ على عشق توارثته أجيال متعاقبة منذ المصريين القدماء.
مثل كثيرات من فتيات محافظة الشرقية تسعى لاعبة رياضة هوكي دنيا شعراوي للاحتراف في الملاعب الأوروبية، رغم التحديات المرتبطة بالذهنية المحافظة السائدة. طموح ابنة دلتا النيل أن تصبح أول فتاة تحقق تلك الخطوة في تاريخ ناديها المهيمن محليا على ألقاب السيدات، وتعزز شعبية هذه الرياضة في محافظة الشرقية تتقاسمه مع كثيرات من بنات جيلها، ممن تألقن في رياضة ظلت منذ وقت طويل حكرا على الذكور.
تقول شعراوي البالغة 24 عاما وتضع حجابا أسود اللون إن “الهوكي يعني الشرقية. هكذا تربينا منذ الصغر”.
وتضيف الشابة التي تلعب في مركز الهجوم “حاليا ليس هناك أي فتاة (في الهوكي) كسرت حاجز الاحتراف في مصر، لكني أتمنى أن أكون الفتاة الأولى التي تكسره”.
كانت شعراوي قد أنهت تدريبا مع زميلاتها على ملعب النادي المخصص للهوكي الذي يشبه ملعب كرة القدم ويختلف عنه في تقسيم المساحات ونوعية الأرضية المغطاة بالعشب الأخضر الاصطناعي الناعم.
خلال التدريب، تعالت صيحات اللاعبات وامتزجت بأصوات ارتطام مضارب الهوكي الخشبية ببعضها البعض، ووقفت حارسة المرمى التي ارتدت درعا واقيا مصنوعا من الإسفنج وقناعا معدنيا لحماية الوجه ممسكة مضربها على غرار زميلاتها، وراحت تصد الهجمات عن مرماها.
تأسس قطاع هوكي الحقل للسيدات في نادي الشرقية في العام 1995، بعد أكثر من ثلاثة عقود من تأسيس فريق الرجال الذي يعد أيضا من أبرز الفرق الجماعية في مصر والقارة الأفريقية.
بعد مرور عام على تأسيس الفريق النسائي، حصد الأخير بطولة الدوري الممتاز متفوقا على تسعة فرق على مستوى البلاد. ومذاك الحين، تتربع لاعبات الشرقية على عرش اللعبة محليا بحصدهن 25 لقبا من أصل 28، إلى جانب خمسة ألقاب في كأس مصر ولقب البطولة الأفريقية عام 2019.
تلك الألقاب فتحت الباب أمام بعض اللاعبات للبروز على المستوى الوطني، على غرار ندى مصطفى، الطالبة الجامعية التي اختارت مركز حراسة المرمى في الفريق، وتألقت فيه لتفرض نفسها في المنتخب.
تقول الشابة وهي تحمل خوذتها الواقية تحت ذراعها “اخترت أن أكون حارسة المرمى لأنه مركز خاص وتشعر كأنك تملك الدنيا كلها، ومثلما يقال الحارس نصف الفريق”.
تحديات وطموحات
رغم تفوق فتيات الشرقية في اللعبة وانتشارهن في أندية مختلفة على مستوى الجمهورية، تقف طبيعة المجتمع المصري المحافظ عائقا بين اللاعبات وطموحاتهن بالاحتراف في أوروبا.
يقول المدرب مصطفى خليل إنه تلقى عروضا من إيطاليا وفرنسا لاحتراف أربع لاعبات من ناديه، لكن ثلاثا منهن متزوجات ولديهن أطفال، ما يجعل السفر عسيرا.
ويشير إلى “فكرة أننا مجتمع إسلامي شرقي. كيف تسافر ابنتي خارج البلاد بمفردها؟”.
لكن مديرة قطاع هوكي السيدات سمية عبد العزيز تؤكد أنه “بمرور الوقت، لم تعد مسألة أن تسافر الفتاة أو تبيت خارج منزلها مشكلة، طالما هناك ثقة متبادلة بيني وبين الأهالي”.
ومثلها، ترى قائدة الفريق نهلة أحمد البالغة 28 عاما أن الزواج والإنجاب ليسا عائقين لاستكمال المسيرة الرياضية.
وتقول موضحة: “أنا متزوجة ولدي طفلة وزوجي أيضا يلعب الهوكي. الاحتراف الداخلي أسهل على مستوى السيدات”.
لذا، فإن نهلة التي تلعب الهوكي منذ أكثر من 18 عاما ونالت لقب أفضل لاعبة في الدوري الممتاز، لديها حلم أكبر وهو “أن أكون أفضل لاعبة في أفريقيا”.
غياب الدعم الإعلامي والرعاية
رغم شعبية اللعبة، يؤكد المدرب خليل أن “ليس هناك دعما إعلاميا”، وبالتالي لا جذب للرعاة.
على سبيل المثال، تبلغ تكلفة ملابس حارسة المرمى في لعبة هوكي الحقل نحو 65 ألف جنيه (أكثر من 2100 دولار)، بحسب خليل الذي أوضح أيضا أن ثمن مضرب الهوكي المستورد يصل إلى 120 دولارا على الأقل.
يقول إن “اللعبة مكلفة، وغياب التغطية الإعلامية يؤخر الرعاة”، ذاكراً تجربة فردية من إحدى الشركات المصرية التي كانت راعية للفريق خلال البطولة الأفريقية وتوقفت بعدها.
في هذا السياق، يؤكد رئيس نادي الشرقية حمدي مرزوق “نحن ننفق على منظومة الهوكي سنويا بين 5 إلى 6 ملايين جنيه”.
ويضيف “يجب أن نحافظ على هذه القلعة التي حققت أكثر من 150 بطولة على مستوى البلاد والقارة”.
إرث يمتد إلى المصريين القدماء
كل ذلك لا يلغي عشق الهوكي في الشرقية، ثالث أكبر محافظات مصر من حيث التعداد السكاني.
عشق توارثته أجيال متعاقبة منذ المصريين القدماء، بحسب عضو مجلس إدارة النادي والمشرف على قطاع الهوكي إبراهيم الباجوري.
يوضح الباجوري أن لعبة الهوكي “كانت تعرف عند المصريين القدماء باسم الحوكشة وكانت تلعب في مناطق أثرية مثل تل بسطة وتل العمارنة”.
ولا يزال شعار الاتحاد المصري للهوكي يحمل حتى الآن رسم اثنين من المصريين القدماء يمسكان بمضرب الهوكي الخشبي ويتنافسان على الكرة.
ويضيف “مثل السامبا وكرة القدم في البرازيل، الجميع في الشرقية لديه مضرب هوكي”.
شغف قد يولد تضحية، إذ تقول شعراوي “إذا تقدم لي شخص للزواج وكان معترضاً على استكمال مسيرتي الرياضية، أعتقد أنني لن أوافق”.
فرانس24/ رويترز/ أ ف ب
المصدر