السياسة السودانية

عمل الشرطة في حالات الظروف العادية والنزاعات والحروب

فريق شرطة(حقوقي) د. الطيب عبدالجليل حسين

طبقاً لاحكام القانون الدولي والقوانين الوطنيه الداخلية، سؤال نطرحة، هل صفة المُقاتِل او صفة المِحارِب تنطبق على أفراد منسوبي الشرطة؟ للاجابة على السؤال المنطرح، عدسة منظار المعايير الدوليه المُعتبرة والمقبوله التي تحكم أعمال وظيفة ومهام وممارسات الشرطه، تقرر مدنية الشرطة تشغيلاً لها لتقديم خدمتي الحماية والأمن لافراد مجتمع الدوله، وأنها قوة نظامية التكوين البنيوي، تنظيماً وسيطرة، وتُدار وفقاً لتراتيب نُظم عسكرية.

والمعايير الدولية المقررة لمهام وظيفة الشرطة وممارساتها العملياتية، مستخلصة من قواعد القانون الدولي الواردة ضمن قرارات وموجهات الأمم المتحدة الغير ملزمة، وقواعد القانون التي صارت قواعد عرفية ملزمة، ومنها قواعد السلوك للموظفين المكلفين بإنفاذ القانون الصادرة من الأمم المتحدة بالقرار 34 / 169 بتاريخ 17/ 12/ 1979م، والمبادئ الأساسية المتعلقة باستخدام القوة والأسلحة النارية من جانب موظفي إنفاذ القوانين المعتمدة في مؤتمر الأمم المتحدة لمنع الجريمه ومعاملة الجناة المنعقد في مدينة هافانا/ كوبا بتاريخ 27/ 08/ 1990م، والقواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء(قواعد نيلسون مانديلا) الصادر من الأمم المتحدة بالقرار 70 / 175 بتاريخ 17/ 12/ 2015م، ومجموعة المبادئ المتعلقة بحماية جميع الأشخاص الذين يتعرضون إلى شـكل مـن أشكال الإحتجاز أو السجن الصادر من الأمم المتحدة بالقرار 173/ 43 بتاريخ 09/ 12/ 1988م، والمبـادئ الأساسية لتوفير العدالة لضحايا الجريمة وإساءة استعمال السلطة الصادر من الأمم المتحدة بالقرار 43/ 40 بتاريخ 29 /11/ 1985م. فهي على سبيل المثال لا الحصر، أمثلة لصكوك القانون غير الملزمة التي لها صلة خاصة بإنفاذ القانون، وصارت قواعد قانونية ملزمة، لإستخدامها المتواتر المستمر عليها في المجتمع الدولي والجماعة الدولية، وللنص عليها قواعد قانون في العديد من مصادر القانون الدولي وللنص عليها في متون القوانين الوطنية الداخليه للدول. وكما كذلك، المعايير المشرعِنة لمهام وظيفة الشرطة مستخلصة، من القانون الدولي الإنساني، ومن القانون الدولي لحقوق الانسان.

وللاحاطه المعرفية بالقانون الدولي لحقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني، كلاهما صكوك دولية تخدم وتعزز من حقوق الانسان لحماية أرواح البشر وصحتهم وصون كرامتهم، والاختلاف بينهم، القانون الدولي لحقوق الإنسان يُطبق في جميع الاوقات على الدول وكافة البشر المقيمين على أرض الدوله، وهو ملزم للدول في علاقاتها مع الأفراد المقيمين في أراضيها. وبينما القانون الإنساني الدولي، يُطبق في حالات النزاعات المسلحة، فهو بذلك قانون خاص، وملزم لجميع الأطراف في حالة وجود نزاع مسلح ما.

وبوجه عام، يشير القانون الدولي لحقوق الانسان، لجملة قواعد قانون مشرعِنة لحقوق قانونية، يمتلكها كل فرد بين البشر، وهي حقوق عالميه مكفوله لجميع البشر، دون تمييز. وقواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان، نجدها ضمن سياقات أهداف الأمم المتحدة المنصوص عليها في المواد 01، 55 من الصك التاسيسي للأمم المتحده 1945م، لتعزيز السلام والأمن الدوليين والحفاظ عليهما لإحتواء الوثيقة على إلتزام دولي بإحترام حقوق الإنسان. ولذلك، على سياق نصوص ميثاق الأمم المتحدة التأسيسي، صدرت الصكوك الدولية الرئيسية الثلاثة المتعارف عليها بالشِرعة الدولية لحقوق الإنسان، ونشير لها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي إعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة 1948م، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية 1966م وبروتوكوله الإختياري 2008م، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية 1966م، والبروتوكولين الاختياري الملحق بالإتفاقية. وتلت الشٍرعة الدولية لحقوق الإنسان صياغة عدد من المعاهدات التي تناولت موضوعات بعينهـا، وهي: الإتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز وبروتوكولها الإختياري،

اتفاقية مناهضة التعذيب وغيرها من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو الاإنسانية أو المهينة وبروتوكولها الإختياري، إتفاقية حقوق الطفل وبروتوكوليها الإختياري بشأن إشراك الأطفال فـي الصراعات المسلحة، وبشأن بيع الأطفال واستغلالهم في البغاء وفي إنتاج المواد الإباحية.

ولذلك، المعايير الدولية لمهام وظيفة الشرطة، صكوك دوليه سامية وملزمه، لأنها تشريعات دوليه شارعة وملزمه وموجهه، ولها قوة نفاذ القانون الوطني الداخلي.

ولذا، طبقاً للقانون الدولي الإنساني، بشأن النزاع المسلح الدولي وغير الدولي الوارد والمحدد في إتفاقية جنيف الأولى(المواد 3 ،7 ،8 ،9 ، 10 ، 12 ، 46 ، 50 63). واتفاقية جنيف الثانية(المواد 3 ، 7 ، 8 ، 9 ، 10 ، 12 ، 47 ، 51 ، 62). واتفاقية جنيف الثالثة (المواد 3 ، 7 ، 8 ، 9 ، 10 ، 12 ، 47 ، 51 ، 62). واتفاقية جنيف الرابعة(المواد 3 ، 4 ، 8 ، 9 ، 10 ، 13 ، 14 ، 15 ، 16 ، 78 ، 126 ، 130
142). والبروتوكول الأول(المواد 1 ، 10 ، 20 ، 43/3، 50 /1 ، 2 ، 51 ، 52 ، 53 ، 54 ، 55، 56 ، 57 ،81 ،85). والبروتوكول الثاني (المواد 1 ، 4 ، 7 ، 8 ، 13 ، 14 ، 15 ، 16 ، 17 ، 18). مكانة ووضعية الشرطة أثناء النزاعات المسلحة والإحتلال الأجنبي الخارجي، تُعتبر الشرطة طرفاً غير محارب، لأنه لا يشمل أفراد الشرطة صفة المُحارٍب، أو المُقاتِل، ما لم تكن الشرطة مندمجة رسمياً في القوات المسلحة بقرار صادر من جهة مختصة.

وبالتالي، لعناصر الشرطة بدافع من ضمائرهم، لهم الحق في الإمتناع عن أداء وظائفهم في حالات وقوع الإحتلال الأجنبي الخارجي، وحالات الفوضى المدنية العارمة، والنزاع المسلح الداخلي، وأنه لا ينتج عن ذلك الإمتناع تغيير في المراكز القانونية لأفراد منسوبي الشرطة. وكما أنه، ينطبق القانون الدولي الإنساني على جميع حالات النزاع المسلح الدولي والغير دولي. وأنه يجب صون مبادئ الإنسانية في كافة حالات النزاع المسلح. وكما يجب في كل الأحوال، إحترام وحماية الأشخاص غير المحاربين. ويجب كذلك إحترام وحماية الأشخاص العاجزين عن القتال، بسبب الإصابة أو المرض أو الأسر، أو لأي سبب آخر.

وبوجه عام، تشريعات الصكوك الدولية، تقرر أن أفراد منسوبي الشرطة مدنيين في الظروف العادية لحالات الاضطرابات والنزاعات الداخليه الغير مسلحة، ومدنيين في حالات النزاع المسلح الدولي والنزاع المسلح الغير دولي. ومن ثمّ، القانون الدولي الإنساني يكفل لمنسوبي الشرطة حماية من الهجمات العسكرية المسلحة العدائية. ولكن، أفراد الشرطة إذا إندمجوا رسمياً في القوات المسلحة بقرار صادر من سلطة مختصة، أو شاركوا بضمأئرهم بحكم الواقع مشاركة مباشرة في العمليات العدائية، فإنهم يتحولون إلى أهداف عسكرية مشروعة حسب القانون الدولي الإنساني. وأنه عندما تشارك الشرطة مشاركة مباشرة في الأعمال العدائية، يتعين عليهم التصرف إمتثالاً للقانون الدولي الإنساني. ولهذا الأمر أهمية قصوى تتفرد به الشرطة، وعلى سبيل المثال فيمـا يتعلق باستخدام العتاد العسكري القاتل المدمر الفتاك، فهناك عتاد معين خاص بالجيوش، محظور على الشرطة استخدامه في مباشرة الأعمال العدائية أثناء النزاع المسلح.

وثمة تحديات كبرى، يفرضه الواقع العملي لمهام وظيفة الشرطة، وذلك في حالات، الفوضى المدنية العارمة، والإحتلال العسكري الأجنبي، وحالات النزاع المسلح الداخلي. لأنه لهذه الحالات يُسند فيها إلى الشرطة أداء مهمتين في الوقت ذاته، بتأدية مهام إنفاذ القوانين لإستعادة الأمن والنظام العام، أو الحفاظ عليهما من جانب، والقيام بالعمليات القتالية ضد العدو أو المتفلتين (متمردين مقاتلين) من جانب آخر. ويرجع هذا إلى أن القواعد والمبادئ ذات الصلة بمهام وظيفة الشرطة، تختلف إختلافاً كثيراُ. ففي الوقت الذي فيه الشرطة تمارس وظيفتها في حالات النزاع المسلح، فإنها تعمل على إنفاذ القوانين بإعمال قواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان بصفة رئيسية، بينما تخضع العمليات القتالية لسير العمليات العدائية المُستمدة من القانون الدولي الإنساني.

ولذلك، ينبغي للسلطات القائمة على رأس هيئة الشرطة، توخي الحذر عند التنفيذ للقوانين، وعدم طمس الخطوط الفاصلة بين المهمتين والجهات الاخرى ذات الصلة، وعدم ترك منسوبي الشرطة في حالة عدم تيقن بشأن مهمتهم المحددة، وحالة النموذج المحدد من الواقع والقانون المنطبق. ويجب أيضا إتخاذ الإحتياطات عند عودة أفراد الشرطة إلى واجبات إنفاذ القوانين العادية المُسندة إليهم، بعد المشاركة المباشرة في العمليات العسكرية العدائية. ويجب عدم التهوين من صعوبة العودة إلى عقلية إنفاذ القوانين. وحيث في الأمر تفصيل، نتناوله في مقال موضع آخر.

 


المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى