عادل عسوم يكتب: ياصاحبي، إن الدعاء يرد القدر!
ياصاحبي،
لاتقل (اللهم انا لانسألك رد القضاء، لكننا نسألك اللطف فيه)، فهذا دعاء لا أصل له، وان فعلت فقد ضيقت واسعا، لأن الدعاء يرد القدر!.
قال نبينا صلى الله عليه وآله وسلم: (لا يرد القدر إلا الدعاء)،
وقال صلى الله عليه وسلم:
(لا يغني حذر من قدر، وإن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، وإن الدعاء ليلقى البلاء فيعتلجان إلى يوم القيامة).
قال الله تعالى:
{يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} الرعد 39
روي عن عمر رضي الله عنه أنه كان يطوف بالبيت وهو يبكي ويقول: اللهم إن كنت كتبتني في أهل السعادة فأثبتني فيها، وإن كنت كتبت علي الشقاوة فامحني، وأثبتني في أهل السعادة والمغفرة، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب. ومثله عن ابن مسعود.
وفي بعض الآثار: أن الرجل يكون قد بقي من عمره ثلاثون سنة فيقطع رحمه فترد إلى ثلاثة أيام، والرجل يكون قد بقي من عمره ثلاثة أيام فيصل رحمه فيمد إلى ثلاثين سنة.
لقد قال ربنا جل في علاه في سورة الدخان عن ليلة القدر:
{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ • فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} (3-4).
ورد في التفاسير بأن الملائكة تأتي باللوح المحفوظ في هذه الليلة، فيُثْبِتُ الله ويمحو فيه الكثير من أقدار الخلق السابقة (لمن يكرمه الله بإدراك هذه الليلة المباركة)!.
فهناك أقدار (يومية) كما يقول ربنا في هذه الآية الكريمة:
{كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} الرحمن 29
قال البغوي عن هذه الآية:
قال المفسرون إنّ الله من شأنه أنّه يحيي ويميت، ويرزق، ويعزّ قوما ويذلّ قوما، ويشفي مريضا، ويفك عانيا، ويفرّج كربا، ويجيب داعيا، ويعطي سائلا، ويغفر ذنبا، إلى ما لا يحصى من أفعاله وإحداثه في خلقه ما يشاء.
انتهى.
وهذا يعني أن ليلة القدر تعد من أيام الله المذكورة في هذه الآية {كل يوم هو في شأن}، ولكن تكمن خصوصيتها في أنّ الله يختصّ من يبلغها من المسلمين بإجابة (كل) دعائه، ويبدّل الكثير من تفاصيل ما سطّر من قبل من أقداره السابقة!.
ياصاحبي،
بالدعاء تنقضي الحاجات، وبالدعاء يبدل الله عنا الكثير مما كان مكتوبا ومقدرا علينا، وبالدعاء ينال المرء مبتغاه مهما ظنه مستحيلا…
ذاك يونس عليه السلام دعى الله وهو في بطن الحوت، وفي لجة أمواه البحر وظلماته، وقال:
{لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}، فأنجاه الله وكتب له عمرا جديدًا!…
وذاك أيوب عليه السلام وقد بلغ به المرض مبلغه، ومات عنه كل ولده، وكان يستحي من الله بأن يدعوه لتفريج الكرب، حتى ألحت عليه زوجه فدعى الله تعالى وقال:
{وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}، فلم تتأخر الإجابة من الرحمن الرحيم فقال الله تعالى:
{فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ ۖ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ}.
أما موسى عليه السلام، فقد هرب إلى مدين خائفا يترقب، وهو فقير، وبلا مأوى، وبلا زوجة، وما أن توجه إلى الظل بعد أن سقى للبنات دعى الله وقال:
{…رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ}، فتبدل حاله ووهبه الله السلام، والمأوى، والزوجة، والعمل!.
ويوم بدر التي أسماها الله يوم الفرقان، كان جند الاسلام وعتادهم قليل أمام جحافل المشركين، وكانت كل الدلائل والحسابات الدنيوية تشير إلى هزيمة نكراء على المسلمين، فتوجه نبينا صلى الله عليه وآله وسلم إلى الله تعالى وقال: (اللهم إن تَهْلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض)، فأنزل الله عز وجل:
{إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين}، فهزم الله عز وجل المشركين، وانكسرت شوكتهم بعد مقتل رؤوس الكفر.
ياصاحبي،
لنسأل الله أن يهدنا الصراط المستقيم، وأن يثبتنا على دينه الذي اصطفى، وأن يقربنا إليه زلفى، وأن يقسم لنا من رحمته مايحول بيننا وبين معصيته، وأن يهبنا العافية، وأن يجعل في قلوبنا وأفئدتنا من النور ما يجلو به بصرنا وبصيرتنا، وأن يبارك لنا في الدنيا والآخرة، وأن يقر أعيننا بالأبناء والبنات والأحفاد، وأن يرزقنا حبه وحب من يحبه.
ان الله وليّ ذلك والقادر عليه.
وقول يالطيف.
صحيفة الانتباهة
مصدر الخبر