ضد الانتهاكات المادية والفكرية – النيلين
من اهم وسائل السيطرة السياسية والهيمنة هو تشكيل إطار الجوانب المسموح بنقاشها لأنها مريحة و/أو انها تساعد في حذف واخفاء جوانب مزعجة في حد ذاتها أو فيما يترتب عليها سياسيا وأخلاقيا.
الواجب الأكثر إلحاحًا الآن هو وقف الانتهاكات الجسيمة التي تحدث الآن في الخرطوم والجنينة حيث يُقتل الناس ويُغتصبون ويُضربون وينهبون وتحرق ممتلكاتهم وبنيتهم التحتية.
لا يمكن وقف هذه الفظائع أو التقليل منها إلا من خلال الحملات السياسية والإعلامية التي تفضحها وتسمي الجماعات التي ترتكبها بلا وجل وتلفت انتباه المجتمع الدولي إليها والي من يرتكبها.
لسوء الحظ تخلت الأحزاب والجماعات السياسية السودانية وصناع الرأي عن واجبهم في الحد من الفظائع استنادا للتجربة الواسعة التي اكتسبوها واستخدموها لفضح وإضعاف نظام الإنقاذ.
من اهم وسائل السيطرة السياسية والهيمنة الفكرية هو توزيع الضوء والعتمة بطريقة تبعد قضايا وتركز علي غيرها لتشكيل إطار يحدد الجوانب المسموح بنقاشها لأنها مريحة و/أو انها تساعد في حذف واخفاء جوانب مزعجة في حد ذاتها أو في ما يترتب عليها سياسيا وأخلاقيا.
تتهرب العديد من الأقلام من هذا الواجب من خلال تركيز شبه حصري على أسئلة غير ملحة مثل من أطلق الرصاصة الاولي في هذه الحرب.
لقد أصبح من الواضح الآن أنه لا يمكن لأحد أن يعرف على وجه اليقين ومن الذي بدأ هذه الحرب بشكل لا يقبل الجدل. لكن من بدأ هذه الحرب سؤال لا تغير اجابته من المهمة الملحة في الوقت الحالي، وهي إنهاء الانتهاكات والفظائع بفضح الجاني، ومحاسبته سياسيا، وإعلاميا وتوثيق ما اقترفت يداه .
المغالطة الأخرى المستخدمة لتشتيت الانتباه هي تكرار الإشارة إلى حقيقة أن قوات الدعم السريع أنشأها نظام البشير. من الواضح أن هذا المنشأ صحيح ولا يمكن لأحد أن ينكره، ولكنه ليس الحقيقة الكاملة.
النصف الآخر من الحقيقة هو أن قوات الدعم السريع هذه ضاعفت من قوتها وسلاحها وجنودها عدة مرات في عهد الحكومة الانتقالية. وأكثر من ذلك اكتسبت في الفترة الانتقالية مكانة سياسية واقتصادية وقانونية ودبلوماسية وشرعية ومشروعية لم تكن لها في عهد البشير.
الذين سمحوا لقوات الدعم السريع بالنمو عدة مرات بالتسهيل أو بغض البصر والسكوت الفصيح مخطئون مثل الرجل الذي أنشأها، ولهذا السبب يتعين عليهم أيضًا الاعتراف بمساهمتهم في المشكلة والاعتذار للشعب السوداني.
أحيانا يقول خطابهم، تلميحا ضمنيا لا تصريحا، ان حقيقة تأسيس نظام البشير لقوات الدعم السريع يعطيهم حق التعاون معها وحق التزام الصمت بشأن انتهاكاتها البشعة، وأنه لم يكن من حق الجيش أن يطلب دمج تلك القوات في فترة قصيرة بدلاً من عشرة أو اثنين وعشرين سنة.
إن تركيز الحوار حصريا حول أسئلة من أنشأ قوات الدعم السريع أو من بدأ الحرب هو أفضل طريقة للتواجد الإعلامي من غير مسؤولية فضح الفظائع الحالية من اغتصاب ونهب وحرق والهروب من تسمية الجناة والجهات المرتكبة، وهذا عون كبير وثمين يخفي مرتكبي الفظائع ضد الشعب السوداني (أحيانا بدون قصد) الذي اهدرت ثورته.
أقل واجباتنا الأخلاقية حاليا المساهمة في تقليل الانتهاكات بفضحها ورفضها وتوثيقها.
معتصم أقرع
مصدر الخبر