صلاح الدين عووضة يكتب : ما مرتاح!
أو لست مرتاحاً..
وزميلنا أزهري (ما مرتاح) اختفى فجأة..
فهو صحفي… وشاعر… ومترجم… وناشط في منظمات المجتمع المدني..
ثم نشط سياسياً مع قحت..
ولكنه اختفى الآن – فجأة – مثل اختفائي (المفاجئ) عن الصحافة آنذاك..
أي في الأيام التي أحكي فيها دواعي كلمتنا هذه قبل أعوام..
واختفائي عن الصحافة – وزاويتي – كان لظروف (فنية)؛ هكذا نسميها..
أو نُجبر على هذه التسمية هرباً من الحقيقة..
والحقيقة هي أنه احتجاب قسري… أو أمني… أو بأوامر سياسية عليا..
أما عبارة (ما مرتاح) هذه فلقب أطلقته عليه ممازحاً..
وكان ذلك عقب إخراجه من غرفة الإنعاش؛ وقد أُجريت له عملية جراحية..
فقد كان يتمتم بشيء وهو محمول على النقالة..
وحين دنوت منه لأسمع هذا الهمس وجدته عبارة (أنا نهائياً ما مرتاح)..
ثم يضيف إليها قسماً لتصير (والله ما مرتاح خالص)..
أما أنا فقد ارتحت من صديقه (الخواجة) الذي حمَّلني عبء ترحيله بسيارتي..
رغم إنه قصد تحميل الخواجة عبء تخفيف (عبئي)..
عبء احتجابي الفني بتحويل مجرى المال من جيب صاحب التاكسي لجيبي..
فامتلأ جيبي – بالفعل – ولكن رأسي (خلا) من العقل..
أو خلا عقلي – بتعبير أدق – من أي تبرير (عقلاني) لأسئلة الخواجة المحرجة..
أسئلة تضرب عميقاً في قلب كرامتي الوطنية..
فبيت الشعر (بلادي وإن جارت علي عزيزة) كان شعاري إزاء سخافاته..
فهو لا يترك شاردة ولا واردة إلا وسأل عنها..
وأغلب هذا الذي يرصده يستحق عبارة علي الحاج الشهيرة (خلوها مستورة)..
علماً بأن أي سؤال منه تتفرع عنه عدة أسئلة موجعة..
ثم لا يكتفي بإجاباتٍ (أي كلام) من تلقائي – تهرباً – وإنما يريد (كل الكلام)..
ومن هذه الأسئلة مثلاً (من أين أتى هؤلاء؟)..
وذلك حين مررنا – لسُوء حظي – بمنطقة السوق العربي ذات الزحام الخرافي..
فقلت له إنهم ليسوا جميعهم بسودانيين..
ومن هم إذن؟… وكيف تميزون بينهم وبينكم؟… وهل وجودهم هذا مقنن؟..
وينهمر سيل أسئلة نطرحها نحن أنفسنا على المسؤولين..
ثم لا نجد أجوبة منهم بما أنهم غير مجبورين عليها كما هو حالي مع الخواجة..
وتتنقل الأسئلة (البائخة) بتنقلنا من مكانٍ إلى آخر..
أسئلة عن أكوام الطبالي… وأكوام الذين حولها… وأكوام الأوساخ من خلفها..
أسئلة عن كثرة رجال المرور… وسوء المرور..
أسئلة عن تعذيب المواطنين بتخصيص نوافذ خدمية محدودة للمئات منهم..
أسئلة عن المتسولين… وكثرتهم… وجرأتهم..
وقال إنه لم يشاهد هذا العدد المهول منهم في أي دولة زارها من قبل..
أسئلة عن عدم التزامنا بالمواعيد..
فما من أحدٍ – يقول – في بلادنا ضرب له موعداً؛ وجاء في الموعد..
أو يكون في الموعد حين يجيء هو إليه..
أسئلة عن عشقنا لكثرة الكلام؛ فنحن نرد عن سؤالٍ قصير بجواب طويل..
وقال إنه سأل – مرةً – شخصاً عن محلٍّ بعينه..
فطفق يشرح له السكة المؤدية إليه – يقول ضاحكاً – لأكثر من خمس دقائق..
ليكتشف – أخيراً – أنه على بعد خمسة أمتارٍ منهما..
واكتشفت أنا – أخيراً – أن علي إنهاء أمتار مشاويري مع هذا الخواجة..
واعتذرت لصديقي أزهري بأنني (ما مرتاح)..
ما مرتاح خالص!.
صحيفة الصيحة
مصدر الخبر