صلاح الدين عووضة يكتب : خوَّف منو؟!
أو (هوَّف) منو؟..
فهكذا كان ينطقها أهل بلدتنا – بلسانٍ نوبي – ترديداً لكلام عمنا تاج السر..
فقد كان (فلانٌ) – من الناس – مات حديثاً..
فكثر الحديث – ذو الخوف – عن قيامه بهيئة (بعاتي) يتجوّل في الطرقات..
فأراد عمنا هذا نزع الخوف من قلوب الناس..
وذلك بعد أن بلغ ببعضهم حد تجنب الخروج من بيوتهم ليلاً؛ سيما النساء..
وهو كان حكيماً؛ ذا منطق… وفلسفة..
بل كان يحاضر مرتادي النادي عن الهيولي… والمادة… وفكر أرسطو..
كان يحدثهم عن ذلك بلغة بسيطة..
ورغم ذلك لم يكن الكثيرون منهم يفهمون حديثه؛ ويظنونه حديث دين..
وهو لم يحدثهم بالدين لأنهم ما كانوا سيقتنعون..
لم يحدثهم به في سياق نزع مخاوفهم إزاء حكاية (بعاتي فلان) الرائجة..
ولم يحدثهم – كذلك – بلغة المنطق الفصيح..
وإنما ابتغى بين ذلك سبيلا؛ وقاله لهم بمنطق بسيط… بساطة عقولهم..
واعتمد في ذلك على تاريخ (حياة) فلانٍ هذا..
قال لهم إن فلاناً هذا طوال حياته لم يخوِّف أحداً؛ ولم يخف منه أحد..
لم يكن يخوِّف وهو حي؛ فكيف يخوِّف وهو ميت؟..
فكان لكلماته البسيطة هذه مفعول السحر في نفوسهم؛ وأزال عنها الخوف..
وطفقوا يقولون مثل قوله (هو سهي هسل هوَّف منو؟)..
أو بترجمتها إلى الفصحى: صحيح هو حصل خوَّف مَن حين كان حياً؟)..
ويبدو أنني ورثت من عمي هذا حبه للمنطق… والفلسفة..
كما ورثت منه عدم خوفه من (البعاعيت)… إن كان لها وجودٌ أصلاً..
وساحتنا السياسية الآن ملأى ببعاعيت..
بعاعيت بشرية… وفكرية… وسياسية… وأيديولوجية؛ قاموا من مقبرة قحت..
وذلك بعد أن قبرناهم قبل عام؛ وترحمنا عليهم..
والأفكار التي يتبنونها – والسياسات… والأيديولوجيات – قُبرت هي ذاتها..
قُبرت في مواطنها بالخارج… ومن غير ترحُّم..
والبارحة (يهوِّفني) – يخوِّفني – بعضهم منها… ومنهم؛ من الأفكار وأصحابها..
قالوا لي إن ثمة إرهاصات بعودة قحت… وحمدوكها..
فإن حدث هذا – يقولون – فلا فرصة لي بالتجول في طرقات الصحافة..
فتذكرت خوف أهل بلدتنا ذاك من التجوال ليلاً..
وكأنما الذين يهوفونني – يخوفونني – هؤلاء أقروا بأن قحت ستقوم بعاتياً..
أقروا بذلك من حيث لا يشعرون..
وأنا أعلم أن المقبور لا يقوم… إلا يوم القيامة… وقحت لن تقوم لها قائمة..
ولكن لنفترض أنها قامت مثل (فلان) بلدتنا ذاك..
ولنفترض أن عقلي أضحى يماثل عقول بعض أهل بلدتنا في ذياك الزمان..
ولنفترض أنني بدت أخشى التجول في الطرقات..
طرقات الصحافة… أو السياسة…. أو حتى طرقات العاصمة الحقيقية..
لنفترض أن ذلك كله حدث..
فيبقى السؤال المهم المستوحى من حكمة عمنا تاج السر تلك حيال البعاتي..
وذلك بعد التنبيه إلى حقيقة بسيطة..
فقد كانت (قهت) – قحت – تمشي حيةً بين الناس؛ وبين أروقة السلطة..
هوَّفت منو؟!.
صحيفة الانتباهة
مصدر الخبر