صراع محاور يُسقط النظام… هل يمكن أن ينسحب الوضع السوري على السودان؟
في مشهد دراماتيكي مفاجئ، تغير النظام السوري مع إعلان سقوط النظام الحاكم في البلاد، بعد مغادرة الرئيس السوري بشار الأسد، واحتلال الفصائل المسلحة عدة مدن، كان آخرها العاصمة دمشق التي باتت تحت التحكم الكامل لهم.
سقوط بشار
وأعلنت الفصائل المسلحة التي تقودها ما تعرف بـ”هيئة تحرير الشام”، “الأحد”، سيطرتها على العاصمة دمشق دون أي مقاومة تذكر، مؤكدة سيطرتها على المدينة التي وصفتها بأنها “تحررت” ب”سقوط بشار الأسد”، في وقت قال فيه رئيس الحكومة السورية محمد غازي الجلالي إنه لن يغادر البلاد، وذلك من أجل الحفاظ على مقدرات البلد وضمان استمرار مرافق الدولة، مضيفاً: “لن أرحل إلا بطريقة سلمية”، ودعا الجلالي الشعب السوري للحفاظ على مؤسسات الدولة والتفكير بعقلانية، وعدم المساس بأى أملاك عامة لأنها بالأساس أملاكهم.
هجوم مباغت
يذكر أن الفصائل المسلحة قد سيطرت، الخميس، على مدينة حماة، رابع كبرى مدن سوريا، الواقعة في وسط البلاد، بعد أيام من سيطرتها على حلب وإدلب في إطار هجوم مباغت، وكانت قد سيطرت أمس الأول الجمعة، على ريف حمص الشمالي بشكل كامل، وأطلقت ما تعرف بـ “هيئة تحرير الشام” والفصائل المتحالفة معها هجومها في 27 نوفمبر الماضي، انطلاقاً من معقلها في إدلب شمال غربي البلاد، وذلك بعد دعمها بأسلحة متطورة وحديثة ساعدتها كثيراً في حسم معارك ميدانية على الأرض بشكل سريع.
تقاطعات دولية
هذا التغيير المفاجئ والسريع، لا يخلو من تقاطعات إقليمية ودولية كانت حاضرة في المشهد السوري منذ سنوات، ففي الوقت الذي ساندت فيه كل من روسيا وإيران النظام السوري، تداخلت أمريكا وقوى غربية داعمة للمعارضة السورية، ما أدى إلى وجود قوى إقليمية ودولية في البلاد على رأسها (روسيا – إيران – تركيا – أمريكا)، ما آثار العديد من التساؤلات حول الأسباب التي أدت إلى سقوط نظام الأسد الذي حكم البلاد أكثر من 50 عاماً بهذه الطريقة، هل انشغال روسيا بحربها مع أوكرانيا، وهل تصفية حزب الله المصنف ذراعاً لإيران بالمنطقة كان سبباً، مَن باع مَن، هل روسيا وإيران باعت بشار الأسد، أم هو الذي باعها باتصالات سرية مع بريطانيا والدول المناوئة، وماذا بعد سقوط نظام الأسد، وماهو مستقبل سوريا بعد هذا المشهد المعقد.
مستقبل غامض
في الوقت الذي يرى فيه خبراء بأن سوريا قد تحررت من نظام الأسد الذي قتل وشرد شعبه، يرى آخرون إنّ سوريا باتت في حوزة التنظيمات المسلحة ذات الخلفية الإسلامية، وبات مستقبلها غامضاً أمام سيطرة هذه التنظيمات، كما رأوا أن هذه التنظيمات التي تقاتل تحت كيان هيئة تحرير الشام أو جبهة النصرة سابقًا ما تزال لديها إرتباطات بتنظيم القاعدة، صحيح هي فككت ارتباطها بالتنظيم من قبل ولكن لا يوجد ما يؤكد أنها تخلت عن أفكارها. وتبقى الخطورة ليست في نظام سياسي قد سقط، ولكنه جرس إنذار لمستقبل يبدو غامضاً مع التنظيمات المتطرفة، وقد تؤدي هذه التطورات إلى سقوط الدولة السورية نفسها وتمزيقها.
خارطة جديدة
وتشير التوقعات بأنّ هناك من يسعى إلى أفغنة الحالة السورية، فكما تم تسليم أفغانستان في أول عهد الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن، فقد تم تسليم سوريا في نهايات عهد نفس الرئيس الديمقراطي، الذي لا يرى مشكلة في استخدام جماعات الإسلام السياسي في منطقة الشرق الأوسط، كما يرى آخرون أن سوريا قد تقع فريسة لمطامع مختلفة سواء من تركيا أو من إسرائيل وسيكون لذلك انعكاسات وتأثيرات استراتيجية تقودها أمريكا وإسرائيل، لإعادة رسم الخارطة السياسية والجغرافية والأمنية في المنطقة، وفق معادلات وتوازنات ومصالح جديدة، وذلك لتفكيك النفوذ الإقليمي الإيراني، لصالح بسط النفوذ الإسرائيلي، لكن هذه الاستراتيجية ربما تواجه تحديات جمه على رأسها عدم استسلام ايران.
وقد يرى البعض أن هناك وجه تشابه بين المشهدين السوري والسوداني، من حيث التقاطعات الإقليمية والدولية، فإلى أي مدى يمكن أن ينسحب المشهد السوري على الأوضاع في السودان، وهل يمكن أن نرى صراع المحاور الذي حدث في سوريا في السودان قريبا؟
لا يوجد تشابه
من جانبه يرى الكاتب الصحفي والمحلل السياسي الدكتور خالد التيجاني أن لا وجه للتشابه بين ماحدث في سوريا والسودان. وقال التيجاني لموقع “المحقق” الإخباري ربما يكون التشابه الوحيد في تعقيدات المشهد السياسي الداخلي، لكن في سوريا هناك تدخل خارجي كثيف له حواضن شعبية على الأرض، إضافة إلى وجود عسكري داخل سوريا من الروس والأتراك والايرانيين والأمريكان، مضيفا أن سقوط نظام الأسد جاء نتيجة لتغيير التحالفات الاقليمية والدولية، متسائلا هل ستظل هذه الارتباطات مستمرة ومرتهنة بالخارج، موضحا أن الدور الخارجي موجود في السودان ولكنه أقل تعقيدا من سوريا، لعدم وجود حاضنة شعبية لهذا الدور، وقال إن الدعم السريع وسيلة لتحقيق أجندة خارجية في السودان، ولكن ليس له حاضنة شعبية تسانده في هذا الأمر، وتابع أن الجيش السوداني ظل يقاتل بمفرده معتمدا على قدراته الذاتية، عكس الحال في سوريا التي دخلت قوات بالعتاد والأفراد لمساندة الجيش السوري، مؤكدا أن فكرة أن النظام السوداني مستند على دعم خارجي هذا غير صحيح، وأن مايحدث في سوريا صراع محاور خارجية، وقال مالم تكن هناك حاضنة شعبية حقيقية لهذه الأجندات الخارجية لا يمكن أن يحدث تغيير، ورأى أن كل من يشبهون المشهد السوري بالسوداني، يحاولون التعلق “بقشه” تتوافق مع مصالحهم، وقال إن الحاضنة الشعبية الموجودة في السودان الآن تساند الجيش السوداني، وإن هذا لا يمكن معه تدخل دولي.
هناك مقارنة
في المقابل يرى رئيس تحرير صحيفة التيار عثمان ميرغني أن هنالك مقارنة بين المشهدين السوري والسوداني. وقال ميرغني لموقع “المحقق” الإخباري أن هناك ترتيبات دولية متفق عليها بين الأطراف اللاعبين الأساسيين في المشهد (روسيا – ايران – تركيا – أمريكا)، وإن هناك إتفاقاً على تسليم وتسلم، موضحا أن هذه الترتيبات عبارة عن خارطة طريق لشرق أوسط جديد بلا نزاعات، وأنه تم بدأها في غزة وحزب الله وسقوط نظام الأسد، وأن الدور القادم على الحوثيين في اليمن وبعدها إيران، وقال إن السودان جزء من هذه الأزمة، وإنه كانت هناك مجهودات دولية لحلها ولكن تم رفض كل هذه المجهودات، مؤكداً أن أطراف اللعبة بيد الخارج، وقال يبدو أن البرهان يريد أن يحافظ على بقائه في السلطة بهذه التقاطعات، ولكن يتضح أنه لن يستطيع أن يسير أكثر من ذلك، ومن الأفضل أن يتعظ مما يحدث في المنطقة، متسائلا إلى متى سيستمر البرهان في ذلك، وقال إنه ليس هناك أفق محدد للتعامل مع هذا الوضع، مؤكدا أن الجيش هو القوة الشرعية بالبلاد وأن الدعم السريع لا وجود له في مستقبل السودان باقرار الجميع والمجتمع الدولي، وتابع يجب أن يبني البرهان على ذلك ويعول عليه ويذهب إلى حل بديل إذا كان رافضا لكل الحلول الخارجية.
القاهرة – المحقق – صباح موسى
مصدر الخبر