سوريا: نهاية الكابوس ام بدايته؟
قلنا ان الحرب السورية لم تكن ابدا محض صراع داخلي بين شعب ومعارضة. كل ما حدث هو انتصار تحالف دولي علي اخر.
في المعسكر الخاسر كانت روسيا راعي النظام السوري منذ ايام الاتحاد السوفيتي وحافظ الاسد. وفرت سوريا مركزا بأهمية استراتيجية فائقة لروسيا أتاح لاسطولها البحري المحطة الوحيدة علي مياه البحر الابيض الدافئة التي لا تتجمد في شتاء.
وكانت ايران في نفس المعسكر لاهمية سوريا بحكم الجوار وبسبب العداء بين البعث الثوري ونظام صدام حسين الذي غزا ايران في نهاية سبعينات القرن الماضي. وزيت ذلك التحالف سيطرة العلويين علي مقابض الحكم في سوريا وهم اقرب للشيعة علي علمانية نظام الاسدين.
قادت اسر…اييل معسكر العداء لنظام البعث الثوري بحكم احتلالها لهضبة الجولان السورية ولدعمه التاريخي للشعب الفلسطينى. اضف الي ذلك ان سقوط نظام الاسد يضعف من الموقف الاقليمى الايراني العدو الاكبر خطرا علي اسر…اييل كما انه يعني قطع خط امداد حزب الله بالسلاح والمال من ايران عبر سوريا وهذا مكسب هائل لدولة اسر…اييل يضعف حزب الله عدوها في جبهتها الشماليةويضعف خم اس علىجبهتها الجنوبية.
ايضا عادت تركيا نظام الاسد بسبب قربه من ايران علي حسابها وبسبب رغبتها في التأثير علي المناطق الحدودية التي يتواجد فيها الأكراد السوريين وهم امتداد طبيعي لاكراد تركيا مسببي الصداع الدائم لانقرا وبسبب نزاعات حدود تاريخية بين البلدين تعود جذورها الي اتفاقية لوزان وتفكيك الإمبراطورية التركية العثمانية في اعقاب الحرب العالمية الأولى.
ايضا كانت دول الخليج العربي علي عداء تتفاوت درجات حرارته مع النظام السوري بسبب قربه من ايران الشيعية والاتحاد السوفيتي ولاحقا روسيا علي حساب المعسكر الغربي الأقرب لدول الخليج. ولكن في الجولة الاخيرة لم تلعب دول الخليج دورا هاما في اسقاط الاسد وبالذات المملكة السعودية التي اعادت توجيه سياستها الخارجية وحسنت العلاقات مع سوريا وقادت حملة لاعادتها لعضوية جامعة الدول العربية وايضا طبعت علاقاتها مع ايران بوساطة من الصين.
علي ارض المعركة والجند ظلت القاعدة هي اهم مكون مقاتل وتحورت لاحقا الي داعش وجبهة النصرة ثم هيئة تحرير الشام. وفي أوقات مختلفة حارب في صفوفها اسلاميون من كل اركان العالم الاسلامي العربي وغير العربى.
ولم يري المعسكر الرابح غضاضة في التسامح مع داعش ما دامت تضعف اعدائه الشيعة في ايران ولبنان علي فقه عدو عدوك صديقك ما دام يضرب في عدوك ولا يعضك. وهذا احد الادوار المرسومة للدواعش: توفير رصيد جهادى سني لاحتواء التحالف الشيعي المعادى للحلف الغربي كما يمكن استخدام الرصيد لأغراض اخري وكلو بما يرضي الله.
علي ما يبدو لي فان سقوط الاسد يشكل انتصارا تاريخيا هاما للمعسكر الثاني علي حساب الاول أكثر من كونه حسم معركة داخلية ضد نظام دكتاتوري شمولي. اري صراع دولي تاريخي علي الهيمنة على الشرق الاوسط يتمدد عبر القرون منذ الغزو الاسلامى لاوروبا مرورا بالحروب الصليبية الي الاستعمار المباشر الذي اعقبته هيمنة استعمار غير مباشر. ولا اري اي افق ديمقراطي او حقوقى الا علي مستوي الدعاية. واتمنى ان أكون مخطئا.
بما ان الاسلام يوصينا بذكر محاسن موتانا فان نظام البعث السوري كان مفرطا في القمع ولكنه كان دكتاتورية علمانية تنموية الي حد ما كما كان صديقا للنساء والاقليات الدينية.
نجح النظام في توفير تعليم مجاني محترم من الروضة الي الدكتوراة مصحوبا بعلاج مجاني ايضا محترم . كما حقق اكتفاء ذاتيا من المنسوجات وانتج معظم الدواء محليا ولم يسقط في فخاخ الدين الخارجي الذى كتم انفاس معظم الدول النامية. ونالت في ظله النساء حقوقا متميزة ولم يعانين من كلاكل الماضي التي حبست اخواتهن في الجوار.
كما قلنا فان شراسة ودموية نظامي صدام والقذافي لم تمنع الاوضاع الني اعقبت اسقاطهما من ان تكون اكثر تعاسة للشعبين بما لا يقاس. اذ ان جحيم الاستبداد الداخلي اعقبه جحيم وليس ديمقراطية. فهل تكون سوريا استثناء؟ اتمنى ذلك من قلبي الجوانى.
علي المدي القصير ربما, فقط ربما، تحدث انفراجة اقتصادية بسبب رفع الحصار والعقوبات وتدفق المساعدات بسخاء استراتيجي خصوصا اذا صحب ذلك مسرح سياسي متوسط القدرات.
ولكن المستقبل البعيد والمتوسط غير مطمئن اذا كان الهدف الاهم من تغيير النظام هو تفكيك، او علي الاقل اضعاف، الدولة السورية واستبدالها بكيان طائفي، هزيل, تابع وربما كابريه اقليمى رخيص اذا سمح الدواغش.
لا يهمني سؤال ان تفرح بسقوط النظام السوري ام تمتنع. توزيع صكوك الفرح مهمة بائع الايسكريم ونظارة الفيسبوك ولا دخل لي به.
عموما يظل المستقبل دائما مفتوحا علي المفاجئات ولا نقول إلا بتفاؤل الارادة وتشاؤم الفكر.
معتصم أقرع
مصدر الخبر