سناء حمد: نقشٌ على جدارية الشرف والوطن ..صعود النجمة.. في مقام البروفيسور سعاد الفاتح البدوي
اليوم ..يوم من ايام الله في السودان ،
اليوم انطوى فصلٌ مهيب من فصول عطاء المرأة في السودان ..
وخُتم فصل من فصول الجيل الذهبي للدعوة والحركة الاسلامية ..
اليوم صعدت لربها نجمة لامعة …اوقفت نفسها للحق تدور معه حيث دار..أفنت شبابها وبذلت جهدها في سبيل الله والوطن وما تؤمن به من فكر .
اليوم غابت شمس اشرقت على السودان خُلقاً قويماً وعطاءً بلا حدود ..
اليوم مضت الى ربها نفسٌ وثّابة نزّاعةً للخير ..اشرقت على السودان من بيت صلاحٍ وفلاح ونسب .
كانت رابع فتاة تتخرج في جامعة الخرطوم كلية الآداب ..
كانت اول سيدة سودانية تنال درجة الماجستير من جامعة لندن ، معهد الدراسات الشرقية والافريقية SAOS.
كانت رئيسة لقسم التاريخ في معهد المعلمين العالى ” كلية التربية جامعة الخرطوم “.
كانت اول سيدة مستشارة لليونسكو في السعودية ، 1969
وكانت ضمن مؤسسي كلية التربية بالرياض
كانت اول عميدة لكلية جامعية للبنات في العربية السعودية
كانت اول عميدة لجامعة ام درمان الاسلامية كلية البنات ، كانت اول اكاديمية سودانية تنال درجة الاستاذية ” البروفيسور ٠ من جامعة ادنبرة في اسكتلندا …
كانت شابة متفوقة وطموحة وذات قرار ، معلّقةٌ نفسها بقضايا بلدها وبتحدياته فانضمت كأول سيدة للتيار الاسلامي في عام 1950 ..بعد ثلاث سنوات من تأسيس اول مكتب لجماعة الاخوان المسلمين السودان ،
كانت ضمن مؤسسات الاتحاد النسائي السوداني .
ومثلت النجمة الرمز السودان في اول مؤتمر للمرأة العربية عام 1956.
كما مثلت السودان في مؤتمر المرأة في الاتحاد السوفيتي سنة 1957.
لم يكن لها في تلك السنوات المبكرة منافسة في تميزها وقوتها وشجاعتها …
ثم عصف الخلاف الايدولوجي بالاتحاد النسائي فغادرت سعاد ومعها عدد من المؤسِسات الاتحاد ليؤسسن الجبهة الوطنية النسائية ، التي قادت واحد من الموكب التاريخية في مسيرة المرأة السودانية بعد ثورة اكتوبر، حيث رفعت مذكرة تطالب مجلس الوزراء بمنح المرأة حق التصويت والترشّح ..وفرضن ارادتهن ، ودخلت المرحومة فاطمة احمد ابراهيم بفضل هذه المذكرة البرلمان .
كانت عميدة قسم التاريخ بمعهد المعلمين العالي ، حين تعدى بالقذف على بيت رسول الله ..احد الشيوعيين في ندوة مشهودة في بالمعهد .
صمت الناس واجمون مذهولون ..حتى هتفت سعاد غاضبةً لرسول الله وامها عائشة ..وقادت المظاهرات من المعهد للشارع ، وغضب السودان لرسول الله ، ولم تتوقف المظاهرات الا بحل الحزب الشيوعي..
كانت سعاد داعية لله والحق والعدل ولا يداني عطاءها عطاء …ولا تداني همتها همة ..ووقفت في عين كل عاصفة ناصحة ترفع صوتها بالحق لا تخشى في الله لومة لائم ..لا تجامل ولا تنكسر …كان يخشاها الرجال !
كانت بين اخوتها مُهابة تقول فيسمعُ لها ، تأمر فتطاع وتغضب فيهرعون لها ويخطئون ..فيتحنبونها .. ويتحسبون لغضبها ..لانها لا تخاف ولا تهاب !!
يا سيدتي عز مثلك اليوم..فقد سكن الخوف قلوب الرجال ..وقعدت بالناس الهمة ..
سعاد الفاتح البدوي رقمٌ في تاريخ المرأة السودانية والافريقية لا يمكن تجاوزه ، ولذلك كرمتها النخب النسوية الافريقية …
حق لنساء السودان باختلاف توجهاتهن الفكرية والسياسية الفخر بها وبتاريخها و باستقامتها وتفوقها ومهنيتها وعطاءها وصبرها وشجاعتها …وعفة يدها ولسانها..
سعاد الرمز النسوي السوداني الذي عزى فيه روساء وامراء وشيوخ ومسؤولون..لأنه لا يعرف الفضل الا أهل الفضل .
سعاد الرمز الذي عزى في رحيلها منظمات انسانية وحقوقية لانها عُرفت بدفاعها عن حقوق الانسان ووقوفها ضد الفساد واهتمامها بتطوير المجتمعات الريفية وبتنمية المرأة وبتعزيز دور النساء ومشاركتهن السياسية …
المرأة الرمز ..الاكاديمية والناشطة الحقوقية والسياسية ..نعاها السياسيون الذين يميزون بين اختلاف المواقف السياسة وحفظ مقامات وحقوق الرموز السودانية ..
وغابت الدولة السودانية الرسمية التي تعيش الان أحط مراحل تاريخها وأسوأ نماذج الحكم فيها …وكما قال احدهم ” هولاء منعوها السفر للعلاج فكيف تريدون منهم نعيها ” …
ليتهم علموا ان نعيها شرفٌ لهم.. ولن يعرف العابرون المتعجلون مقام الرموز ، ولا قيمة هكذا مواقف لهم هم ..وليس لها ..
فهي قد ظلت عاملةً لمقامٍ عندالله اكرم ..
و مضت اليه ..
وقد نقشت اسمها بأحرف من نورٍ ونار في جدارية عظيمة تمتد من اماني شاخيتو وأماني ريناس والملكة ستنا بت عجيب ومهيرة بن عبود ورابحة الكنانية ومندي بنت السلطان عجبنا ورحمة بت جاد الله وفاطمة احمد ابراهيم ..
يا هولاء ان بينكم وبين هذا الشرف حجاب ..
انها جدارية عشق الوطن والولاء و الصمود والجهاد والنضال والوطنية والشجاعة والمرؤة ..
جدارية سجلّت مسيرة بدأت 1932 بميلادها ..
حين كان السودان مستعمراً ..
ومن نِعم الله عليها انها رحلت في يوم مبارك …
قبل ان ترى بلادها تعود لذات الاستعمار . .
الا رحم الله ..البروفيسور سعاد الفاتح البدوي ..الرمز النسائي السوداني الأبرز في مسيرة عامرة بالنجاح والفلاح والعطاء ..لاكثر من سبعة عقود .. فهي لم تكن ظاهرةً صوتية ..ولا نمطاً فوضويّاً ..بل كانت معلمة واستاذة جامعية ، وداعية وسياسية رصينة ” ملأت مركزها” لها مؤلفات وكتابات وطلاب وطالبات .. كانت قائدة مؤمنة ومؤتمنة ..كانت عاشقة هائمة بهذه الارض ..بهذا السودان ..الذي جابته وتنقلت فيه وعرفت اهله وعرفوها فأحترموها وقدّروها وفتحوا لها بيتوهم وقلوبهم …واستعانوا بها ولجأوا اليها …
كان صاحبة تجربة ذات ملامح وتفاصيل وشهود .
اللهم اجعل لها بكل لحظة من عمرها مقاماً عندك عليّاً ..واجزها اللهم عن الاسلام والسودان خيراً ..اللهم اكرمها كرماً تطمئن به روحها ويعلو به مقامها ..وارحمنا اذا ما صرنا الى ما صارت اليه ..
ولا حول ولا قوة الا بالله
سناء حمد
مصدر الخبر