سمية سيد تكتب: حتى لا تجدون من تحكمونه
ما يحدث في إقليم النيل الأزرق وبعض المناطق في غرب البلاد يعد جرائم إنسانية وجرائم أخلاقية المتهم الرئيسي فيها ليس من أشعلوا نيران الفتنة، بل الحكومة مركزية وولائية، والأحزاب وكل القوى السياسية والجماعات المدنية والإدارات الأهلية، والإعلام الذي ظل يوقد حطب الفتنة. المسؤولية لا تستثني أحداً.. فكل هؤلاء مشغولون هنا في الخرطوم بالتسوية السياسية.. ومشغولون بمفاوضات سرية (امغمتي).. ومشغولون بتشكيل الحكومة التي ستكون حكومة للخرطوم طبعاً.. مشغولون بكل ما يجعلهم يسيطرون على السلطة، أما ما يحدث خارج الرقعة الجغرافية لحدود ولاية الخرطوم فهو شأن يهم سكان مناطقها . بعد عام من حكمه فشل المكون العسكري في الحفاظ على تماسك المجتمع وعلى وحدته، وأصبح مهدداً بالانقسام والتشرذم والانفصال.. وفشل المكون العسكري مثلما فشلت حكومة قوى الحرية والتغيير آنذاك في كل الملفات .. اقتصادي.. سياسي ..أمني.. نتيجة ما بعد الثورة سواء حكومة مدنية أو عسكرية يساوي صفراً كبيراً . منذ قرارات البرهان في مثل هذا اليوم من العام الماضي سمِّها ما شئت حسب موقفك السياسي (انقلاب..أم تصحيح مسار) تعيش بلادنا فوضى في كل شيء .. فوضى سياسية.. وفوضى أمنية وانفلات وتفلتات.. وفوضى في الأسواق.. وفوضى في الخدمة العامة وأجهزة الدولة ومؤسساتها، وكبرى المصائب هو أنهم يتفرجون ولا يفعلون . المدنيون يبدو أنهم غير حريصون على التوصل لاتفاق يجنب البلاد المزيد من الفوضى والانزلاق . حصائل حريق النيل الأزرق فاق (250) قتيلاً وعشرات الجرحى وأكثر من (400) نازح فقدوا المأوى، يبحثون عن الأمان في أماكن لا تتوفر فيها أبسط مقومات الحياة.. صور ومقاطع فديو تنتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي للقتلى والجرحى والنازحين، وكأنها من رواندا خلال الحرب الأهلية . حريق الدمازين واضح أنه أكبر من مجرد صراع قبلي بين مكونات ظلت عبر تاريخها القديم مثالاً للتعايش السلمي والتداخل الاجتماعي، إلا من بعض المناوشات الصغيرة جداً التي تحسم في وقتها بواسطة العقلاء والإدارات الأهلية . ماذا فعلت السلطة المركزية هنا في الخرطوم حيال حريق الدمازين؟ مجرد توجيهات بلا فعل.. صحيح أن مجلس الأمن والدفاع قرر إرسال تعزيزات عسكرية لولاية النيل الأزرق، لكن ما يحدث يحتاج إلى موقف حاسم أكثر من ذلك، أما توجيهات مجلس الأمن والدفاع بتشكيل لجنة تقصي الحقائق، والتعامل بحزم مع التفلتات ،ومحاسبة المحرضين ومثيري الفتن فهو كلام (ساكت) يتم ترديده في مثل هذه الأحداث عبر الإعلام. غياب الحكومة وانتشار الأسلحة في أيدي المواطنين زاد من تفاقم الأوضاع ومن القتل الممنهج المعتمد على مساندة جهات محددة ضد مكونات معينة.. مما يعني أن الوصول للمحرضين ومثيري الفتن ـ كما قال مجلس الأمن والدفاع ــ أمرٌ غير ممكن . يتحدث الناس عن فجوة غذائية الآن بينما لم يعلن عن أي تدخل من قبل منظمات الإغاثة والمنظمات الانسانية، كما تشير التقارير الواردة من هناك بتوقعات فشل الموسم الشتوي، وهو أمر غير مستبعد مع استمرار الحرب بهذه الصورة البشعة. في غيبوبة الحكومة المركزية تعالت أصوات تطالب بالحكم الذاتي بينما برزت أخرى داعية للانفصال .والحال كذلك في إقليم دارفور، حيث لم تعصمها اتفاقية جوبا من مطالبة السكان بفرز عيشتهم من الخرطوم .
صحيفة السوداني
مصدر الخبر