سراج الدين مصطفى يكتب : تأملات لا تسقط بالتقادم!!
(1)
الصادق الياس اسم قد يغيب على الكثيرين الذين لا يعرفون إبداعه الشعري الذي يتناثر كحبيبات المطر والعطر عند كبار الفنانين.. والصادق الياس يكفيه جداً أغنية الجريف واللوبيا التي تغنى بها العبقري الراحل أحمد الجابري وهذه الأغنية بغير صياغتها اللحنية المتفردة تؤكد أن الصادق الياس شاعر بسيط المفردة وعميق المعنى ويستطيع أن يلامس وجدانك ويتوغل في الأغوار السحيقة منه.. ورغم إبداعه الأنيق ولكن الصادق الياس لم يجد حتى الآن التقدير الذي يناسب أغنياته التي تربى عليها وجداننا.
(2)
الصادق الياس ، هذا الاسم الجميل الممتد كامتداد شواطئ النيل الأزرق وحينما ينحني الأزرق في ضاحية الجريف وكأنه في (غشوة خفيفة) للسلام على هذا الشاعر المدهش صاحب المفردة التي تلامس شغاف القلوب وتسكنها فتبقى حية لا يمكن نسيانها أبداً، لأنه من تلك العينة التي لها مقدرة أن تسلب كل دواخلك وتجعلك تنحاز لها بإفراط ودون تحكم.
(3)
والصادق الياس حينما كتب رائعته (الجريف واللوبيا) كان مفعماً وصادقاً وهو حينها يؤرخ للمكان بلغة شعرية رفيعة ، توغل في التفاصيل وأسهب في أن يجعل أرواحنا تشرئب للجريف واللوبيا والأشجار الكثيفة وكمائن الطوب التي تنتشر على مد البصر.. ذلك التوصيف المهيب جعل الراحل أحمد الجابري يضع لحناً عبقرياً مدهشاً .. فهو حينما يغني:
عندي شوق لنيلك …. للأهل والطيبة
عشاك الصفاصف …. قايمة عاملة زريبة
الجريف واللوبيا …. وباقي ذكرى حبيبة.
(4)
مثلت أغنية (مساء الخير يا الأمير) علامة فارقة في تجربة عبد العزيز محمد داؤود ومن أكثر أغنياته اشتهاراً وقبولاً، وذلك نسبةً لمفردتها المحتشدة بالموسيقى والإيقاع ومع أنها أنتجت في زمن كانت تسود فيه أغنية الحقيبة ولكن هذه الأغنية تجاوزت الإطار التقليدي للقوالب اللحنية للحقيبة، كما أن أدائية عبد العزيز داؤود الرفيعة ارتقت بالأغنية بعيداً وجعلتها واحدة من عيون الغناء السوداني وهي عبرت تماماً عن قدرات شاعرها وملحنها الأستاذ الشاعر علي إبراهيم خليل.
(5)
مما يجدر ذكر أن الأستاذ الشاعر والملحن علي إبراهيم خليل (الشهير بعلي بمبة) ولد بمدينة المتمة في مارس 1933م، التحق بالخلوة ثم المدرسة الأولية ثم عمل بعد ذلك معلماً بعد ان أكمل تعليمه بمدرسة المتمة الأولية ثم العالياب ثم حوش بانقا ثم التحق بالإذاعة السودانية في ستينات القرن الماضي، حيث جمعته صداقة مع اللواء طلعت فريد وزير الاستعلامات والعمل في عهد عبود وتعرف عليه من خلال لعبة التنس بالقيادة الشمالية بشندي وكانت السبب في التحاقه بالإذاعة، حيث كان ذا ميول أدبية وثقافية من حيث كتابة الشعر والمسرح والمنلوجات التي كانت تعالج الكثير من قضايا ذلك الزمان في شكل شعر فكاهي.
(6)
كتب الشاعر والملحن علي إبراهيم خليل، الكثير من الاغاني لعدد من الفنانين وتغنى له اللحو بنشيد الجندي الهمام والجابري (بالجنة) وصلاح بن البادية (آمنة):
يا الإخوان حليل ناس آمنة
الفي الحشاشات كامنة
آمنة السمحة راسية ظريفة
السمحة راقية عفيفة
موجة مقصوصة فاقدة القيفة
ان ما ادو النسيم هو فهيفه
زي زرع القمح في الزيفة.
كما تغنى له أيضاً بأغنية (البنات) وابو عركي (النايرات خدودن) وعثمان المو (بحبك)، ولكن تظل أغنية مساء الخير يا امير هي أشهر ما كتب ووجدت الكثير من الرواج والإعلام. أيضاً زمن عبود تغنى له بابكر ود السافل بالعديد من الأناشيد آنذاك (عبود يا جبل الحديد جيتنا بالرأي السديد).
(7)
أول الفنانين الذين التقى بهم الموسيقار الراحل ناجي القدسي كان هو الفنان أبو عركي البخيت الذي لمس فيه مقدرات هائلة وكبيرة وكان تغنى وقتها للملحن أحمد زاهر “بوعدك يا ذاتي” وغنى لمحمد الأمين طريق الماضي ولكن أبو عركي هذه الأغنية لم يتحسسها جيداً رغم روعة وجمال لحنها الذي جسد فيه محمد الأمين كل مقدراته اللحنية المهولة.. أبو عركي غنى له أغنية “جسمي انتحل” وبعدها اختار أن يتعلم منه كيفية التلحين.. فقدم له نصائحَ عديدة وأصبح بعدها ملحناً له خصوصية وشخصية.
(8)
بعد أبو عركي البخيت وأغنية “جسمي انتحل”، جاءت فترة تعاونه مع الفنان حمد الريح وكانت أغنية “الحقيقة” هي من أول الأعمال ولكن حمد الريح لا يغنيها وفي تلك الفترة أخذ قصيدة “الساقية” من عمر الطيب الدوش وكان ذلك في العام 1969 وهذه الأغنية لحنها ناجي القدسي لمحمد رودي ولكن لبعض الظروف السياسية وقتها لم يغنها وردي.. ولكن الدوش في ذلك الحوار الإذاعي الشهير قال بأنه كتب الأغنية ليغنيها وردي ولكنه لا يعلم الظروف والأسباب التي جعلت ناجي القدسي يعطي الأغنية لحمد الريح.. بالمناسبة العلاقة بين الدوش وحمد الريح لم تكن على ما يرام.
صحيفة الصيحة
مصدر الخبر