داليا الياس: الدعامة ينهبون بيت أمي💔
إصطفى الله (أمى) لجواره والحمد لله… كان فراقاً قسرياً لا طاقة لنا به ولا يد يمكنها رده ولا صبر يحتويه.
لم يتبق من (أمى) عليها رحمة الله وغفرانه سوى رائحتها تضوع من جنبات البيت الذى أفنت عمرها فى تهيأته وإعادة ترتيبه وتركت بصماتها فى كل الزوايا والأوانى وخطواتها على الطرقات.
لم نجروء أنا وإخوتى منذ وفاة (أمى) على العبث بخزانة ملابسها وملامح غرفتها ومقتنياتها التى تركناها كما وضعتها بيدها وأغلقنا الباب فى محاولة جادة منا لتعليب طيفها وإكتناز حضورها.
كنت كلما فتحت باب تلك الغرفة المقدسة التى لم أجروء على دخولها منذ وفاة (أمى) كثيراً شعرت أن الهواء المحبوس فيها بارداً ومعتقاً يضوع بعطر (أمى) ورائحة شعرها و(كركارها) … وأن الأجواء هناك روحانية وهادئة ومشوبة بالحنان والسكينة… والأشياء مرصوصة بأناقة وعناية عرفت بها طوال عمرها.
كنت أكتفى بملء رئتى وإستنشاق أكبر قدر من أوكسجين تلك الغرفة…وأطيل النظر فى مصحفها الكبير المفتوح على الحامل فى ذات الصفحة التى توقفت عندها…. ومسبحتها مسجية على المنضدة تتوق لأصابعها… وبعض الأقراص والعقاقير الطبية تجاورها… وثوبها ذاك الدافئ يلفه الحزن وهو يعتلى مخدتها الأثيرة حيث كانت تتوسده… وهاتفها الجول قابع يعلوه الحزن وهو يكنز محادثاتها الأخيرة وتسجيلاتها الصوتية وتصاويرنا التى كانت تكدسها على ذاكرته بلا حساب… ماكينة الخياطة العتيقة التى أراقت عليها العرق طوال سنوات عمرها الطويلة وهى منكفئة تنشد الرزق الحلال.
كل شئ كان على (ختة يدها)… وتوافقنا بقلوبنا دون أن نتفق صراحةً على جعله كما هو على الأقل حتى نستوعب حقيقة رحيلها ونتماسك ونعبر سراط الفقد الجلل.
ظل الباب مغلقاً كمحرابٍ نزوره لماماً أنا وأبنائى وإخوتى زرافات ووحدانا.
نستمد الكثير من المعانى النبيلة ونركن لأرواحنا لنغسلها بذكريات حنانها وحكمتها.
الآن… تغول أنذال المليشيا على كل ذلك… إقتحموا بيت أمى ونهبوه…كسروا باب غرفتها.. وعبثوا بمحتوياتها…محوا بصماتها… بددوا رائحتها وإستبدلوها بنتانتهم المعهودة… دنسوا قداستها بنجاستهم المشهودة… وهم قطعاً لا يعلمون لوضاعتهم أن هناك أشياء أغلى وأقيم من ما يبحثون عنه من حُلى وأموال وأجهزة وأثاث… تلك أشياء لا تشترى وغير معلومة لأمثالهم.
والله والله والله إنه ثأر بيننا لن تمحوه الأيام.. ونار أشعلتموها بأعماقى لن تطفئها السنوات…وغبن غرستموه بقلبى تجاهكم لن تكفى أى جهود مبذولة لأتجاوزه.
والله لن أعفو… ولن أكف عن محاربة الدعم السريع وحلفائه حتى الرمق الأخير من عمرى بكل السبل المتاحة.
وأحمد الله الذى جعل أمى فى جواره وجنبها برحمته أن تشهد هذه الأيام الثقال التى لم تكن لتحتمل وطأتها على قلبها الطيب الودود المعلول.
لم يؤلمنى كل ما ضاع من ممتلكاتى ومقتنياتى التى أمضيت فى جمعها نحو ربع قرن من الزمان … لم يؤلمنى خراب بيتى وسرقة سيارتى والتهديدات والإساءات المستمرة التى تصلنى بقدر ما أوجعنى وقهرنى تطاولهم على بيت أمى وإنتهاكهم لخصوصيتها وتبديدهم لذكرياتها ونهب الأشياء العزيزة لقلبها بعد أن حالوا بيننا وبينها وبين زيارة قبرها الراتبة.
لعنة الله تغشاكم بكل اللغات والمعانى… أسأل الله بقلب مكلوم أن يرينى فيكم عجائب قدرته ويقتص منكم القصاص العادل لجميع أهل السودان.
الله أرحم أمى وأجعل الجنة مقامها وأجبر كسرنا فيها يا الله.
لاحول ولا قوة إلا بالله…. اللهم أنت حسبنا ووكيلنا فيهم يا الله.
د(اليا) س
مصدر الخبر