خطاب حميدتي والسودان الجديد: هل انقلب الساحر على إرثه
بقلم عمار نجم الدين
في خطابه بمناسبة ذكرى الاستقلال وأعياد الميلاد المجيد ، طرح قائد قوات الدعم السريع رؤية للسودان الجديد، مستخدمًا شعارات مثل “الحرية”، “السلام”، و”العدالة” و السودان الجديد . ولكن بين السطور، تبقى العديد من الأسئلة المعلقة التي تحتاج إلى إجابات صريحة وجريئة، بعيدًا عن العموميات التي اعتاد السودانيون سماعها من السياسيين يمينا و يسارا .
الحديث عن السودان الجديد لم يتطرق بوضوح إلى أحد أعقد القضايا في تاريخ السودان: العلاقة بين الدين والدولة. تلك العلاقة التي أشعلت حربًا في جنوب السودان استمرت عقودًا وأودت بحياة أكثر من مليوني إنسان، لتُدفع الدولة الوليدة في النهاية إلى صياغة دستور مدني يحمي مواطنيها من استغلال الدين. في خطاب قائد الدعم السريع، غابت الإشارة إلى هذا الجرح المفتوح، وكأن السودان الجديد يمكن بناؤه دون مواجهة إرث استغلال الدين في السياسة، الذي كان وقوده حياة السودانيين.
إلى جانب ذلك، يظل الصراع حول الهوية قضية محورية لم يتناولها الخطاب بشكل مباشر. دارفور مثال واضح، حيث استُغلت المكونات العرقية في الإقليم ضد بعضها البعض من قِبل المركز، في سياسة “فرق تسد” التي غذت الحرب والإبادة الجماعية. هذه السياسات لم تكن مجرد جزء من الماضي؛ الحرب التي بدأت في 15 أبريل 2023 تكررت فيها ذات الأنماط، حيث تحول الصراع السياسي إلى نزاع حول الهوية، وتكرر الخطاب العنصري الذي يدّعي أن بعض السودانيين “عرب شتات” عندما تأتي الحرب من الدعم السريع. أو “غزو تشادي” من قبل التنظيمات العدل و المساواة و حركة تحرير السودان . إن تجاهل هذه الحقيقة في الحديث عن السودان الجديد يُبقي المشكلة قائمة، ويجعل من الصعب تصور كيف يمكن تجاوز إرث التفرقة وإعادة بناء الهوية الوطنية.
واحدة من أكثر اللحظات تعبيرًا عن هذا الاستغلال جاءت في جملة قالها عبد الرحيم دقلو: “نحن عملنا ليك شنو يا البرهان… تحاربنا ليه؟”. جملة مركزية في هذه الحرب تعكس مرارة التاريخ، حيث كان المركز يستغل أبناء الهامش في حروبه، قبل أن ينقلب عليهم. سخر المركز من عبد الرحيم ، ولكنها تكشف حقيقة عميقة عن الاستعمار الداخلي الذي استبدل الاستعمار الخارجي، وجعل السودانيين أداة لقتل بعضهم البعض. هذا الاستغلال، الذي تحول اليوم إلى نمط متكرر، يتطلب مواجهة صريحة، لا مجرد كلمات عابرة.
خطاب السودان الجديد الذي قدمه قائد الدعم السريع يحمل الكثير من الشعارات، لكنه يفتقر إلى الإجابات الواضحة. السودان الجديد ليس مجرد دولة بلا حرب، بل هو مشروع يتطلب تجاوز استغلال الدين، ومعالجة الصراعات العرقية، وبناء نظام مدني يحترم الجميع دون تمييز و عدالة انتقالية . ولكن، كيف يمكن تحقيق ذلك في ظل تنظيم لا يزال يحمل إرث الإسلام السياسي وبعض ممارسات المؤتمر الوطني؟ وهل يمكن لهذا التنظيم أن يتحرر من تاريخه ليقود مرحلة جديدة؟
يبقى خطاب قائد الدعم السريع، رغم أهميته، خطوة غير مكتملة. السودان الجديد الذي يطمح إليه السودانيون يحتاج إلى شجاعة أكبر في مواجهة القضايا الجوهرية: الدين، الهوية، واستغلال الهامش و العدالة الانتقالية.
المصدر