خطاب السيد البرهان في قاعدة المعاقيل العسكرية.. قراءة من الضفه الاخري
[ad_1]
(١)لم يكن الحدث جديدا هذه المرة بل بدأ كأنه أمرٌ روتينيٌ… ُفقد درج الجنرال في كل مرة على توجيه رسائل سياسيه من خلال مخاطبة قواته في المواقع المختلفة بدأت فى الأونه الاخيره بقاعدة حطاب فى ٦ نوفمبر ، ثم قاعدة المرخيات في ١٣ نوفمبر وقاعدة المعاقيل في ١٣ ديسمبر .. فبدأ المشهد مألوفاً والخطاب روتينياً من لوازم الزيارة ، الملاحظ أن خطاب المعاقيل لم يشهد دعوة للحشد الاعلامي مثل خطاب حطاب، بل حملته اخبار الميديا في ثناياها اليوميه بغير تركيز .. ويبدو أن نمطية وروتينية تصريحات السيد رئيس مجلس السيادة حول القضايا الوطنية ستكون بهذا الشكل والترتيب .. فكلما زار سيادته منطقه عسكرية عمد الي مخاطبة الشعب السوداني وإرسال رسائله من خلالها .. والعكس ايضا صحيح فكلما إحتاج السيد البرهان الي توجيه خطاب للأمة السودانية وإرسال رسائل جديدة تمت صناعة مناسبه عسكرية ليخاطب سيادته الشعب السوداني من خلالها .. روتينية ودورية الخطابات قللت من اهميته كثيراً هذه المرة …فلم يسهب فيه الكتاب.. ولم تختلف عليه التحليلات .. ولم تمتليء به صفحات الميديا شأن خطاب حطاب الأول.
(٢)
مثل كل الخطابات السابقه خاطب السيد القائد العام قواته بأمر ذكر انه(واقف فيهو ألفا أحمر ) مخاطبة عاطفتهم وغيرتهم ، وهو مايلي أمر التدخل فى الجيش، أو التقرير فيه نيابه عن قيادته .. قائلاً (مافي زول بيدخل يده في الجيش ده ) وأنه لن يمرر أمر فيه انتقاص من قيمة ومكانة القوات المسلحه ونسب الأمر إلى نفسه باشارته بكلمة (انا مستحيل افرط في العسكريه) عوضاً عن كلمة (نحن) في الخطابات السابقه .. فهل تري في ذلك دلالة ؟ .. المهم ان الخطاب كسابقاته حيا الضباط والصف والجنود، وامتدح وقفتهم نيابة أهل السودان كثيرا …ولم يتطرق الخطاب هذه المره عن مجهودات تخفيف عبء المعيشة ،وتحسين ظروف الحياة كسابقاتها من الخطابات.. رسالة التطمين التي قصد البرهان إرسالها الي جنوده في قاعدة المعاقيل لم تشمل القوات النظامية الأخرى(الشرطة والامن ) باعتبار انهم أولى بالتطمين بعد توقيع الاتفاق الاطارى الذي نص على وضع هذه القوات تحت تصرف رئيس مجلس الوزراء الذي تعينه قوى الثورة .. وبمفهوم المخالفة فإن السبد البرهان قد قرر أن يتخلى عن هذه القوات وعليهم أن (ياكلوا نارهم) توفيقا لأوضاعهم مع رئيس الوزراء المقرر تعينه بحسب الاتفاق الإطارى .. المثير ايضا أن الخطاب لم يتحدث عن (الدعم السريع) لامن قريب ولابعد .. فقد درج السيد البرهان في الخطابات السابقه على أصطحاب قائد الدعم السريع معه حيثما كان ممكناً ،ولم يكن ينسى الاشارة الي التناغم والتنسيق المستمر… ولكن هذه المرة أصبح الأمر نسياً منسيا .
(٣)
حديث السيد القائد العام عن التسويه يصيب السامع بربكة شديدة ،وعسر في الفهم حينما تحاول أن تفهمه كله، حيث نفي أن تكون هناك (تسوية) .. ولكنه أقر أن هناك (اتفاق) فهل ترى تتسع مقدرة الواقفين امامه لادراك ماهو الفرق.. لاسيما أن التسوية والاتفاق من مفردات (الملكيه) التي لا يعرفها الخطاب العسكرى الصارم ، ولا الكتابة العسكرية الممنهجه ..ثم مضى ليؤكد أنه سيدعم نقاط هذا التفاق ويسنده إلى أن يصل إلى أرض الواقع ،وأن الاتفاق تم توقيعه من أجل السودان كله ..مؤكدا أنه لا إقصاء فيه لأحد (ومافي زول درجة أولي وزول درجة ثانية )..
(٤)
الجدلية والتناقض تكمن في قوله (هناك قوى توافقنا معها ممكن تطلع البلد قدام) ،مردفاً قوله بأنها (ماناقصة ناس ) وأن هذه القوي اذا (جات وقعدت ح تنقذ البلد لقدام) .. التناقض الثاني قوله (مافي زول يختطف الاتفاق ده ، ويجيره لنفسه.. الاتفاق ده لكل السودانيين) ولكن العبارة التي بعدها كانت (وكل القوى التى توافقنا معها) فهل كل السودان هي الأطراف الموقعه على الإعلان الاطاري ، وهل يرى السيد البرهان في مركزي الحرية والتغيير تفويضاً من أهل السودان للتفاوض باسمهم، والتوقيع نيابة عنهم .
(٥)
عاد السيد البرهان من جديد في هذا الخطاب ممسكاً بحقنة كبيرة من حقن (التخدير)، ولكن الجديد هذه المرة انها حقنة تخدير خاصة فهي مزيج من عقارات (البروبوفول) ويستخدم لبدء التخدير، وعقار (الفينتانيل) لصد الاستجابة للضغط، وعقار (ميدازولام) لفقدان الذاكرة، و عقار (السيفوفلوران) لاستمرار التخدير اطول فترة ممكنة) … و بدا مثل طبيب التخدير الماهر وهو يبتسم في وجه مريضه وهو يراقب جرعة التخدير تسرى فيه رويداً رويداً ..
وهو يختتم قوله (الناس تتطمن) (نحن عاوزين حكومة مستقلين ) (حكومة شاملة يمثل فيها كل الشعب السوداني ) (ماعاوزين نخبة محددة تستولى علي الشأن السياسي) .. فيدخل بعدها المريض في سبات عميييييق.
(٦)
غابت عن خطابات البرهان هذه المرة اللهجة التحذيرية للمؤتمر الوطني ، ولم يشير من قريب ولا بعيد لتفكيك نظام الثلاثين من يونيو ، ولم يتوعد الاسلاميين .. كما غابت مفردة الانتخابات تماما من خطابه .. ولم يتحدث كما فى الخطابات السابقه عن الأخطار التى تتوعد السودان… ولا عن جاهزيتهم للموت في خنادقهم، ولا عن سلاحه المعمر في حزامه الخلفي، ولم يذكر تهديدات الامن القومى ولا غيرها .. وخلا الخطاب في ذات الوقت من أي رؤية مستقبليه أبعد من الاتفاق الاطارى، والحكومة المنتظرة لتنقذ البلاد الى الامام، وبدأت لغته حيال المستقبل مثل خطباء المذهب الشيعي وهم يحدثون اتباعهم عن عودة الامام المهدي المنتظر عجل الله فرجه …
(٧)
لغة الجسد أوحت بتوتر كبير داخل نفسية الرجل الذي يبدو أنه يعيش تناقضاً حاداً داخل نفسه .. فقد استخدم كلتا يديه فى التعبير بتبادل قلق مستمر .. تارة يتحدث باليد اليمين وتارة يتحدث باليسار، واستخدم قبضة يده كلها ، وبسط راحة يديه ، وادار يديه من إلى الداخل الي الخارج، ومن الخارج الى الداخل ، ولوح بأصبعه السبابة ، وشبك مابين اصابعه العشرة ،ورفع يداه إلى أعلى، وخفضهما إلى أسفل ، وطرق المنصة امامه بمقدمة اصابعه بعنف مرات وبتؤدة مرات اخرى
(٨)
محاولات السيد البرهان لتبرير اتفاقه الأخير مع مركزي الحرية والتغيير أمام جنوده كانت مسيطرة تماما على كلماته ، وهو يلمح بالكلام دون التصريح فيقول (اخواننا المدنيين) و(القوى التى توافقنا معها) فلم يذكر صراحة أمام جنوده من هم (الملكية) الذين اتفق معهم، وماهي النقاط التي أشار اليها موضحاً إقتناعهم بها كعسكريين، وماهو شكل الإتفاق أو تفاصيله ، وماهو وضع الجيش خلاله ..كل الذي ذكره أن (الجيش لن يخضع الا للسلطة منتخبه) .. وبالجملة فقد تاهت عبارات الفريق البرهان في شواطيء الحيرة كثيرا وعجزت أن تقدم تبريراً مقنعا لجنوده في ما تم من إتفاق .. وفى أمر يبدو أنه هو نفسه غير مقتنع به ..
(٩)
شخصياً فهمت من خطاب هذه المرة أن الرجل لم يجد جديداً يستطيع قوله، وإن الخطاب كان محاولة لتبرير اتفاقه مع المدنين أمام جنوده ، وأن الرجل يعاني من توهان في البوصلة ، وشتات في الأفكار، واضطراب في الرؤى، وعجز عن المصارحه، وهروب من الواقع، وتردد كان ومازال السمة الغالبة في كل أقواله وقراراته .#
✍️د. محمد حسن فضل الله
مصدر الخبر