حيدر المكاشفي يكتب: دواء معطل ومخازن مشيدة
في الأنباء أن تجمّع الصيادلة المهنيين، دعا الشركاء القانونيين للعمل معهم على فتح بلاغات جنائية ضدّ كلّ من وزير المالية ووزير الصحة ومدير الصندوق القومي للإمدادات الطبية، لتبديدهم المال العام بالعمل على تشييد ستة مخازن بتكلفة تمثّل ثلث قيمة مشتريات الصندوق للعام.2022.وللمفارقة أن تشييد هذه المخازن المفترض أنها لتخزين الدواء، تجئ في ظل شح كبير للدواء بل وانعدامه في بعض الأحيان، وتلك والله مفارقة وسفه اداري وخلل في ترتيب الأولويات، عبرت عنه بدقة الآية الكريمة (فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيد) صدق الله العظيم،
وما يستخلص من الآية الكريمة أن السياسة الحكيمة والادارة الرشيدة تتمثل في احكام وضع وترتيب الأولويات، وحين تختل الأولويات؛ يكون التيه، وتكثر الخسائر، والمؤسف ان هذه الخسائر تكون في الأرواح، بسبب الشح الكبير الذي يعانيه قطاع الدواء مع غلاء فاحش للقليل المتوفر منه، وبالفعل رصدت بعض التقارير الصحفية نقلا عن بعض المصادر الطبية العديد من حالات الوفاة التي تسبب فيها انعدام الدواء، ففي افادة صحفية له قال الصيدلي خالد ود النور، أن ٢٩ من مرضى غسيل الكلى توفوا بجانب وفاة أحد المرضى جوعاً في أحد المستشفيات، لعجز المستشفى عن تأمين أكياس لتعبئة البروتين الذي يتغذى عليه المريض. وأشار إلى أن المستشفى كان يستلف الأكياس من مستشفى خيري عالمي. ولفت الصيدلي خالد ود النور إلى أن وزراء الصحة في الدول التي تحترم حقوق الإنسان، يبادرون بتقديم استقالاتهم حتى لو كانت الوفيات قليلة جداً. وأوضح د. ود النور أن توفير أكياس التغذية ومحاليل مرضى غسيل الكلى وأدوية السرطان وأدوية الأمراض النفسية وغيرها، يقع على عاتق وزير المالية الذي يجب أن يوفر العملات الصعبة لاستيرادها. وقال مثلما يجتهد في توفير عملات صعبة لاستيراد الغاز المسيل للدموع (البمبان) من إسرائيل لاستخدامه ضد المتظاهرين السلميين عليه تأمين العملة الصعبة لاستيراد الأدوية المنقذة للحياة . ووجه د. خالد ود النور انتقادات لاذعة لإدارة الإمدادات الطبية لتسفيرها وفد منها إلى القاهرة لحضور أحد المعارض، في حين أن الأموال التي صرفها الوفد كانت كفيلة بتوفير أدوية الأمراض النفسية والعصبية المنعدمة، وأشار إلى أن المريض لا يعاني وحده وإنما تعاني معه أسرته. وأكد بأن حل مشاكل عدم توفر الأدوية تتمثل في إسقاط الانقلاب، وإقامة حكومة مدنية ديموقراطية تحترم الإنسان وتصون حقوقه. ومن جانبها رجحت الصيدلانية منى ناصر حدوث وفيات بين المرضى المتواجدين في غرف العناية لعدم توفر بعض الأدوية التي تنقذ حياتهم..هذا فضلاً عما هو معلوم بالضرورة عن أزمة الدواء القديمة والمتجددة والمتفاقمة والتي ظلت بلا حل الى الآن ويبدو انها لن تحل أبدا..
في ظل هذه الأزمة الكبيرة والخطيرة في الدواء، بدلاً من أن تكون الأولوية القصوى للحكومة توفير الدواء ما أمكن، اذا بها تبدد ما توفر من مال في تشييد مخازن، لتخزن فيها ماذا الله أعلم، ربما تخزن فيها أي بضاعة بصل أو خلافه غير الدواء المنعدم أصلاً، والقاعدة الادارية الرشيدة تقول (لا يقدم غير المهم على المهم، ولا المهم على الأهم، ولا المرجوح على الراجح، ولا المفضول على الفاضل، بل يقدم ما حقه التقديم، ويؤخر ما حقه التأخير، ولا يكبر الصغير ولا يهون الخطير، بل يوضع كل شئ في موضعه)..
وما اقدمت عليه الحكومة بتقديم تشييد المخازن على توفير الدواء، هو خلل خطير، لا مثيل له الا في حكاية ذلك الرجل الاعزب الذي ظل يعكف في المسجد ويبدأ في الابتهال لله عقب كل صلاة يدعوه أن يهبه الولد الصالح، فزجره الامام على غشامته وقال له تزوج أولاً ثم بعد ذلك ادعو الله أن يهبك الولد، كما انها ايضاً تماثل حكاية ذلك الرجل الذي اشترى الحبال قبل ان يدبر مبلغ شراء البقر فأصبحت حكايته مثلا يضرب..ومنتهى القول أن فعلة وزراء المالية والصحة وادارة الامدادات تستحق فعلاً أن يحاسبوا عليها..
صحيفة الجريدة
مصدر الخبر