حيدر المكاشفي يكتب: جذريون نعم..ولكن كيف؟
استوقفني تصريحان استنطقت فيهما صحيفتنا هذي (الجريدة) مصدرين مختلفين حول قضية واحدة، التصريح الأول للناطق الرسمي باسم تجمع المهنيين السودانيين وليد علي، والتصريح الآخر للخبير القانوني نبيل أديب، وكلا التصريحين يتناولان كتلة التغيير الجذري، حيث دافع الناطق الرسمي باسم تجمع المهنيين السودانيين وليد علي عن مشروع التغيير الجذري وقطع ان فشله لن يحدث الا بنجاح التسوية في انجاز مهام الثورة وعلى رأسها محاسبة من وصفهم بالانقلابيين واسترداد موارد البلاد ممن اسماهم بالطفيليين، مشددا بقوله فيما عدا ذلك سيظل مشروع التغيير الجذري قائماً وستظل قواه في قلب الثورة..أما الخبير القانوني نبيل أديب، فقد رهن نجاح مشروع التغيير الجذري بالعبور إلى النظام الديمقراطي الدستوري اولا قبل ان يصبح من مهام المرحلة الانتقالية، وأضاف أديب أن مشروع التغيير الجذري يعد مشروعا طموحا تضيق عنه الفترة الانتقالية التي ترمي إلى تأسيس مجتمع ديمقراطي دستوري..
في تقديري أن كلا التصريحين رغم ما يبدو ظاهريا من اختلاف جوهري بين مصدريهما (تجمع المهنيين ورئيس لجنة التحقيق في فض الاعتصام)، الا أنهما متفقان ضمنيا على مشروع التغيير الجذري وأيضا متفقان على التسوية أو العملية السياسية الجارية الآن، فناطق تجمع المهنيين المعروف عن اصطفافه في كتلة التغيير الجذري، لم يرفض العملية السياسية جملة وتفصيلا، وانما اشترط لقبولها نجاحها في انجاز مهام الثورة وعلى رأسها محاسبة الانقلابيين واسترداد موارد البلاد ممن اسماهم بالطفيليين..كما أن نبيل أديب المصنف في خانة رافضي مشروع التغيير الجذري، لم يرفضه جملة وتفصيلا، وانما رهن نجاحه بالعبور إلى النظام الديمقراطي الدستوري اولا، معتبرا مشروع التغيير الجذري مشروعا طموحا تضيق عنه الفترة الانتقالية ذات الاهداف المحددة والمدى الزمني الضيق..
لقد سعدت جدا بهاتين الافادتين لما احتوتاه من مرونة وبعد نظر مطلوب، فحال هذه البلاد ومآلها البائس الذي هي عليه الآن بعد مرور 67 عاما على نيلها استقلالها، ومرور عدد من انظمة الحكم المختلفة التي تعاقبت عليها، يجعلها بالفعل تحتاج لعملية تغيير جذري شامل وكامل، ولم يكن هتاف الثوار الشهير (تسقط بس)، هتافا عبثيا صفريا، وانما كان هؤلاء الشباب يعبرون به عن رفضهم لكل القديم (سياسيا، اقتصاديا، اجتماعيا، ثقافيا، تعليميا، صحيا، الخ)، حيث لم ينجح نظام من كل الانظمة التي حكمت السودان حتى اليوم، في العبور به الى مرافئ التقدم والتطور والحداثة، بل على العكس مازلنا نرزح في أتون التخلف، ونعاني ونكابد ذات المشكلات والأزمات بعمر استقلالنا، فمشاكلنا ظلت هي هي، وأزماتنا هي هي، وخلافاتنا هي هي، وخيباتنا هي هي، منذ عقود طويلة وإلى يوم الناس هذا، ظلت مشكلة الكهرباء والمياه هي ذاتها، والمواصلات والوقود والغاز هي نفسها على مر العقود، والصراعات القبلية والتناحر السياسي،
فما زلنا أمة تحت التكوين ووطن تحت التأسيس ودولة لم تتأسس بعد على أسس الدولة الحديثة، وتدور كل هذه المآسي للأسف في بلد لا يملك ترف مثل هذه المنازعات التي ستتدحرج به الى هاوية التفتت والتمزق، ولهذا تحتاج هذه البلاد فعلا الى عملية تغيير جذري، لتكوين الأمة الواحدة وتأسيس الوطن الواحد وبناء الدولة الحديثة، دولة كاملة الأهلية ووطن وطيد الاركان.. ولكن السؤال المهم هو(التغيير الجذري كيف وبأي وسائل وطرائق)..
صحيفة الجريدة
مصدر الخبر