السياسة السودانية

حيدر المكاشفي يكتب: تكرار الكارثة يعني تكرار الفشل

أكثر من 10 آلاف أسرة في شمال ووسط وشرق البلاد، يلتحفون الأرض ويتغطون بالسماء، ويكابدون هذه الأيام ظروف إنسانية وصحية ومعيشية وبيئية بالغة السؤ، جراء السيول والأمطار التي اجتاحت منازلهم ودمرتها وجرفت ممتلكاتهم، مع توقع انتشار الأمراض المرتبطة بالتردي البيئي مثل الإسهالات والملاريا والتيفويد وغيرها من الأمراض المحمولة بواسطة المياه، واختلاط مخلفات التعدين الخطرة بمياه السيول في مناطق التعدين، هذا غير العشرات الذين أودت بحياتهم هذه الكارثة، نسأل الله لهم الرحمة والقبول مع الشهداء والصديقين.. وكل هذه الخسائر الفادحة في الارواح والممتلكات بسبب السيول والأمطار، لم تحدث للمرة الأولى بل تكررت كثيرا من قبل، ورغم ذلك لم تعمل الحكومات المتعاقبة على محاولة درئها والتخفيف من وطأتها وآثارها السالبة المدمرة، من خلال ترتيبات استباقية تتوقعها وتستبق حدوثها، فالمعلوم بالضرورة أن الكوارث الطبيعية (Natural Disasters)مثل الامطار الغزيرة والسيول الكاسحة والرياح العاتية والبراكين والهزات الارضية الخ، تعتبر قدر مسطور من الاستحالة منع حدوثها تماما حتى لأعظم دولة في العالم، فحتى أمريكا وغيرها من الدول الكبرى ذات الامكانيات الضخمة كما يتابع الناس بين الحين والآخر لم تستطع منع حدوث الكوارث الطبيعية المدمرة التي تضربها من وقت لآخر، بيد أن من الممكن التحسب لها والاستعداد لمجابهة أخطارها بما يقلل من أثارها الضارة وخسائرها الفادحة، فمن البديهيات التي أضحت معلومة بالضرورة أيضا، أن أيما كارثة تمر بثلاث مراحل، هي على التوالي، مرحلة ما قبل وقوع الكارثة، وأثناء حدوثها، وما بعد حدوثها، هذه التراتيبية التي تصاحب حدوث الكوارث، تفرض ذاتها على الأسلوب والكيفية التي تدار بها الكارثة، ومن أكبر مشاكلنا مع هذه المراحل، هي مرحلة ما قبل وقوع الكارثة، وما تتطلبه هذه المرحلة المهمة جدا من احترازات وتدابير يستلزم القيام بها تحسبا لها ولاخطارها المحتملة، ومن البداهة هنا التنبيه لضرورة توقع اسوأ الفروض والاحتمالات وبناء خطة المجابهة عليها لتأتي المعالجة كلية وشاملة لكل مظان الخطر ومكامنه حتى لو لم تشكل خطرا من قبل ولكنها تظل مثل القنابل الموقوتة أوالخلايا النائمة يمكن أن تنفجر او تصحو يوما ما، لسبب ما، وتفعل فعلتها، كما حدث في الكارثة الحالية، حيث لم يتعظ القائمون على الامر بما سبقها من كوارث، حين اهتموا فقط بموضوع الاغاثات وطلب العون اللوجستي، وافتقدوا النظرة الكلية والتخطيط المستقبلي، خاصة وان التغيير في المناخ صار معلومة يعرفها الجميع.. والآن وقد (حدث ما حدث) ووقعت الكارثة وحلت الفجيعة التي نسأل الله ونتضرع إليه ان يخفف وطأتها ويلطف بعباده من آثارها خاصة في الناحية الصحية، أظن أنه قد آن الاوان للتركيز على معالجة المحتمل من الكوارث قبل حدوثها، حتى إذا ما وقعت كارثة لا قدر الله وجدتنا على أهبة الاستعداد على الاقل لتخفيف وطأتها وتلطيف حدتها، ولمثل هذا العمل آليات ونظم إدارية وفنية وتحضيرات معلومة لأهل الاختصاص عليهم أن ينهضوا بها ولو بأضعف الإيمان بتقديم النصح والمشورة لمن بيدهم الأمر والفعل.

صحيفة الجريدة

ehtimamna


مصدر الخبر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى