السياسة السودانية

حيدر المكاشفي يكتب: بين الألم والأمل

مرت علينا بالأمس الذكرى 67 للاستقلال، متزامنة مع استهلالية العام الجديد 2023، والشعب السوداني ما يزال في وضع (برزخي)، يكابد فيه الألم ولكنه يتصبر بالأمل، وقد قالها مرة رئيس الوزراء المستقيل حمدوك في مخاطبته أحد الاحتفالات (الشعب صابر بالأمل)، وهذا صحيح فلا شيء يجعل هذا الشعب يحتمل في صمت وجلد وصبر كل ما يلاقيه من كبد ونصب ومعاناة سوى أمله في القادم وتمسكه بثورته التي ما يزال يعض عليها بالنواجذ لتحقيق وانجاز كل اهدافه التي فجر ثورته من اجلها، والصبر خصيصة معروفة عند الشعب السوداني، اذ تجده يمد حبال الصبر ويحتمل الاذى لأطول مدى حتى تحسب انه صار ذليلا خامدا هامدا خاملا، ولكن في لحظة ما ينفجر ويثور كالبركان فيجرف في طريقه كل فاجر وفاسد وخوان، وقد فعلها الشعب كثيرا ولا نظن ان احتماله اذى النظام البائد لثلاثين عاما حسوما سيكون آخرها، وقد وثق التراث الغنائي السوداني لمفردة الصبر بالكثير جدا من الكلمات والالحان، منها على سبيل المثال، (بالأمل صبرت قلبي وعشت في دنيا الاماني..اهدهد الشوق بين ضلوعي واترجم الالام اغاني.. بروي للناس سر عذابي واحكي ليهم ماشجاني.. لا نفع دمعي السكبتو ولا شفع عندك حناني، و(مرة شايل جرحي وأبكي ومرة صابر فوق أسايا) و(تلاتة سنة يوم وراء يوم بالصبر الجميل منتظرك أنا) و(كيفن تنسى حبيب صبر راجيكا ستة سنين) و(أنا الصابر على المحنة) و(انت يا الصابر وعند الله جزاك ) وغيرها وغيرها من اغان تتحدث عن مدى احتمال الحبيب لجفاء محبوبته، وهناك المخطوطات التي تحث على الصبر يضعونها داخل براويز ويعلقونها على الجدران مثل (الصبر جميل) و(الصبر مفتاح الفرج)،

وبالمقابل كيف لا يصبر الشعب على محبوبته ثورة ديسمبر التي انجبها من بين فرث ودم وتضحيات جسام..
الأمل هو طوق النجاة الأخير الذي يتمسك به الناس ويستعينون به على معاناتهم، وما اضيق العيش لولا فسحة الأمل، فلولا تشبثهم بالأمل وعشمهم في غد افضل لما صبروا وصابروا واحتملوا فوق طاقتهم، فهم يعيشون اليوم بين نور الامل المنتظر وحلكة الحاضر المعيش، وتتأرجح حالتهم النفسية بين متضادين، مخاوف متزايدة ورجاء متعاظم، واكثر ما يحتاجونه هو التماسك والتوازن في هذه الفترة الحرجة، ولا مغيث ومعين لهم في هذه الحالة سوى الأمل الذي يزودهم بجرعات من التفاؤل والطاقة الايجابية، ولهذا لا يكفى الاعتذار للناس على معاناتهم، ولا يكفي شكرهم على صبرهم بما يحدوهم من امل منتظر، فالأمل لا ينبغي ان يبنى على اوهام بل على وقائع وحقائق وعمل دؤوب يسنده ويجعل تحقيقه ممكنا، فالأمل دون عمل لا يزيل الالم بل يضاعفه،

فالانسان لا يتمسك بحبل الصبر في لياليه الحالكة الا لانتظار بزوغ فجر الأمل وتحقيق آماله وجني ثمار صبره، ولكن السؤال الى متى سيصبر الشعب، هل هو صبر مفتوح بلا نهاية أم له حدود وخاتمة، والسؤال الاستنكاري موجه للبرهان وحميدتي والاطاريين والجذريين والممانعين وجبريل ومناوي، ولا ننتظر اجابة وانما عمل يحقق الأمل وليس (عمايل) تضاعف الاحباط..

صحيفة الجريدة

ehtimamna


مصدر الخبر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى