حكومة الصَّادق المهدي (1986-1989م).. الديمقراطيَّة الشوهاء والممارسة البلهاء (1- 9)
[ad_1]
الدكتور عمر مصطفى شركيان
لم نكد نود أن نعود إلى الكتابة عن السيِّد الصَّادق المهدي، أمل الأمَّة في عيون أنصاره – أو ألم الأمَّة كما نعته المتفكِّهون من أهل السُّودان – إلا بعد أن اضطررنا إلى ذلك اضطراراً، وحُملنا على ذلك حملاً. لكن سوف نقول شيئاً عن حكومة السيِّد الصَّادق المهدي إبَّان الديمقراطيَّة الثالثة، وسوف نركِّز حديثنا محقِّقين غير باغين على مسالك الصَّادق المهدي في التعاطي مع الوضع الأمني والسياسي في دارفور لنجلي خطل ما ظلَّ الصَّادق يردِّده لاحقاً، وينعته بخطر التدويل الذي أدخل فيه نظام الإنقاذ أهل السُّودان. كذلك مما دفعنا إلى الكتابة حول هذا الماضي البئيس هو استمرار وتيرة العنف التي تخلف من القتلى والجرحى كثراً، وتزايد إحصائيَّة الضحايا بين الفينة والأخرى في إقليم دارفور حتى هذه اللحظة، وكل ذلك من جرَّاء البذور التي غرستها حكومة الصَّادق المهدي ابتداءً، وروتها حكومة “الإنقاذ” بالدماء والدموع ثانياً، ورعتها الحكومة الانتقاليَّة التي أعقبت نظام الرئيس المخلوع عمر البشير ثالثاً.
عطفاً على ذلك فإنَّ الذي دفعنا إلى العودة إلى حكومة الصَّادق المهدي هو الجذوة التي أيقظها بعض أشياع حزب الأمَّة في تمجيد زعيمهم الراحل الصَّادق المهدي، وهنا نذكر – تحديداً – الدكتور (طبيب) عبد الرحمن الغالي، نائب الأمين العام الأسبق لحزب الأمَّة القومي، وهو الذي استهلَّ مقاله على أنَّه كان قد وعد (القرَّاء) “بالتعقيب على رد الأستاذ عبد العزيز آدم الحلو على الأستاذة رشا عوض”، ثمَّ كذلك وعد الدكتور الغالي بأن “يكون الرَّد تثقيفيَّاً لا يقتصر على النقاط الواردة في المقال.” بيد أنَّه استطرد في القول: “آثرت أن أتوسَّع شيئاً ما في الرَّد لتعم الفائدة لدي الأجيال التي لم تعاصر تلك الأحداث، ولم تجد مصادر لقراءتها.” بادئ ذي بدء إنَّ الأستاذة الصحافيَّة رشا عوض كاتبة ذائعة الصيت، ولها صحيفة “التغيير” الإلكترونيَّة، ثمَّ إنَّها لتتربع على رئاسة تحريرها، فضلاً عن استكثار الظهور في اللقاءات التلفزيونيَّة في القنوات الفضائيَّة المتعدِّدة، ووسائط التواصل الاجتماعي. إزاء ذلك لم تكن هي في حويجة لمن يرد نيابة عنها، حتى يفتح ذاك الرادي باباً من الردود والردود المرتدة، إلا إذا كان الأمر متعلِّقاً بتوزيع الأدوار في حزب الأمَّة.
ثانياً، بالعودة إلى عبارة التثقيف التي أوردها الدكتور الغالي في مفتتح مقاله، وبالنَّظر إلى معجم المعاني الجامع فإنَّ اللفظة تأتي على وزن تفعيل، والفعل منها ثقَّف على وزن فعَّل، ثمَّ إنَّه ليعني أقام المعوج من الشيء وسوَّاه في حال ثقَّف الشيء؛ أما ثقَّف الإنسان فيعني أدَّبه وهذَّبه وعلَّمه وزوَّده بفروع المعرفة، وثقَّف الأخلاق إذ يعني أصلح السلوك والآداب. يا ليت مقاله – أو بالأحرى لنقل ردَّه – قد علَّم كل مراقب للأوضاع السياسيَّة والأمنيَّة في السُّودان منذ ميلاد حزب الأمَّة، والأدوار التي لعبها السيِّد الصَّادق المهدي في الحكم والمعارضة شيئاً، بل حاول الدكتور الغالي أن يأتي بعناوين المواضيع، ومن ثمَّ يصل إلى النتائج المتخيَّلة في ذاكرته، وفي ذلك لم يحالفه الحظ، ولم يسعفه المنطق العقلاني، ولا التحليل السليم. ويكفي الأمر أنَّ الرَّفيق عادل شالوكا كان قد فنَّد مزاعمه، وجعلها هباءً منثوراً. لذلك سوف أركِّز في هذه الحلقات على إدارة الصَّادق المهدي لمسألة دارفور؛ تلك الإدارة التي اعتبرناها الغرس السيء لأزمة السُّودان في دارفور، وهي الأزمة التي ما زالت جذوتها مشتعلة، وقد كتبنا كتاباً مرقوماً عن “الصراع في دارفور.. الانتفاض السياسي والقمع الإثني”، ودفعنا به إلى المطبعة، وإنَّه لسوف يرى النور قريباً.
قبل الشروع في التكلُّم عن حكومة الصَّادق المهدي في فترة الديمقراطيَّة الثالثة كان لزاماً علينا أن نشير إشارة عابرة إلى بعض المصادر التي تحدَّثت عن سيرة ومسيرة الصَّادق في عهد الديمقراطيَّة الثانية. سلوك الصَّادق في ارتياد السياسة وهو فتى قبل أن يبلغ الحلم السياسي – ويا ليته قد بلغ ذلك منذئذٍ – كان أغرب من الخيال. فقد أفسد الصَّادق حزب الأمَّة والسياسة معاً، مما قاد إلى انشقاق الحزب وارتباك الديمقراطيَّة. إذ نشر رئيس الوزراء الراحل محمد أحمد محجوب شيئاً عن مسالك الصَّادق الخلطاء في كتابه “الديمقراطيَّة في الميزان: تأمُّلات في السياسات العربيَّة والإفريقيَّة” (1989م)، وكتب الصحافي الراحل بشير محمد سعيد عن إدارة الصَّادق المهدي للحرب الأهليَّة في جنوب السُّودان في الفترة الوجيزة التي فيها بات رئيساً للوزراء (1966-1967م)، وكان سلوكه في هذا المنعطف السياسي هو الأسوأ. أما الدكتور منصور خالد فقد ذهب مشرِّحاً ومحلِّلاً نهج الصَّادق في الحكم والمعارضة في عدة مؤلِّفات، نذكر منها: (The Government They Deserve.. The Role of the Elite in Sudan’s Political Evolution) (1990م)، و”النخبة السُّودانيَّة وإدمان الفشل” في مجلَّدين (1993م)، و”جنوب السُّودان في المخيَّلة العربيَّة.. الصُّورة الزائفة والقمع التاريخي” (2000م)، و”السُّودان.. أهوال الحرب وطموحات السَّلام (قصة بلدين) (2003م)، وفي مذكراته “شذرات من، وهوامش على سيرة ذاتيَّة” (2018م).
أما كاتب هذه الصفحات فقد نشر كتابين بالإنجليزيَّة: أولهما (War in the Nuba Mountains of Sudan (1983-2011): The Root Causes and Peace Settlement) العام 2016م، وثانيهما (Sudan.. The Rise of Closed Districts’ Natives) العام 2021م، حيث احتوى ذينك الكتابين – فيما احتويا – على فصولٍ طوال عن عهد الصَّادق المهدي بالحكم إبَّان الديمقراطيَّة الثالثة (1985-1989م)، وكذلك نشرنا فصلاً ليس بقصير عن الصَّادق المهدي في كتابنا “جنوب السُّودان.. انتفاض مواطني المناطق المقفولة” بواسطة دار المصوَّرات للنشر والطباعة والتوزيع في الخرطوم العام 2021م. في مسألة الحرب الأهليَّة في جنوب السُّودان، وجبال النُّوبة والنيل الأزرق وتداعياتها، فقد كتبنا كثراً من المقالات، حتى كاد المداد أن ينفد من أقلامنا، وكذلك نشرنا كثراً من الكتب أيضاً، نذكر منها: “النوبة في السُّودان.. نضال شعب في سبيل العدالة والمشاركة في السلطة”، الصادر عن دار الحكمة في لندن العام 2006م، و”جبال النُّوبة والسلطة في السُّودان.. الاقصاء السياسي والتطهير العرقي”، المنشور بواسطة دار المصوَّرات للنشر والطباعة والتوزيع في الخرطوم العام 2021م، علاوة على كثرٍ من المقالات والأوراق التي نشرناها باللغتين العربيَّة والإنجليزيَّة في الحوليات والصحف الورقيَّة في لندن والقاهرة والخرطوم، وكذلك الإلكترونيَّة، وفي وسائط التواصل الاجتماعي. وها نحن نوصي بقراءة هذه المؤلفات وسبر مكنونها.
للمقال بقيَّة،،،
المصدر