حسن إسماعيل: إبراهيم الشيخ.. لن نماري فيك إلا مراءا ظاهرا (٧ -؟)
حسن إسماعيل يكتب …
إبراهيم الشيخ .. لن نماري فيك إلا مراءا ظاهرا
إصلاح الدولة وتحرير الخلاف*
( ٧ —–؟)
– يومها عرفت أن مقعدى فى مجلس الوزراء بولاية الخرطوم على يمين السيد الفريق عبدالرحيم محمد حسين كوزير للحكم المحلى ..اهمية القرب من مقعد الوالى كان مختص فقط باهمية الوزارة الجديدة فى حكومة الوالى عبدالرحيم المختصة بالمستوى الأهم فى مستويات الحكم ..أما أنا فقد ذكرتُ سابقا أن السيد الفريق كان قد أخّر تشكيل حكومته بسبب أنه طلب من دكتور الصادق ترشيح إسم آخر غيرى فتقارير الأجهزة الأمنية والحزبية يومها لم تكن مرتاحة لجلوسى على أحد مقاعد الوزارة فى ولاية هى صُرة الأمن والمعلومات والحراك السياسي …
ـ بعد إنتهاء الإجتماع الأول لمجلس الوزراء والذى أدهشنى فيه الفريق عبدالرحيم بدفق المعلومات التى كان ينثرها من رأسه عن الولاية ، حجم المياه المنتجة والفجوة ، عدد المدارس والتلاميذ والطلاب ونقص المعلمين ..طول شوارع الأسفلت والنقص، عدد المشافى والمراكز الصحية ومستوى الاجهزة ونسبة الذين يقصدون هذه المشافى من داخل الخرطوم ومن خارجها ونقص الأطباء وأهل التمريض، والحاجة للتوسع فى أقسام الطوارئ … حجم المساحات الزراعية فى الولاية وفجوة الألبان والبيض والخضروات ، افراز النفايات الشهرى بالمتر المكعب التقريبى والنقص فى محطات التجميع والنقل ، معضلة المواصلات والنقل ومساهمة شركة الخرطوم والفجوة وآفاق إدخال المترو ووقف مشروع النقل النهرى ، كمُّ الدقيق الذى تستهلكه الولاية وعدد المخابز العاملة والمتعطلة ، دخلُ الولاية المالى وموازنتها وعجزها …كنت أتلفت بحذر لكى أجد الشاشة التى يقرأ منها الأخ عبدالرحيم تلك الأرقام وهذه النسب ولكنى لم أجد …كان الرجل يقرأ من ذاكرته ويبدو أن الشهور التى قضاها قٌبيل تشكيل الحكومة قد أتم فيها حفظ موضوع الولاية عن ظهر قلب ..كانت مساحة النصف متر التى تفصل بين مقعدينا تجعلنى اتعرّف على صورة مختلفة كليا عن الصورة التى رسمها له إعلام المعارضة القبيح
– اقترب أحد رجال المراسم من أذنى وأبلغنى أن الوالى طلب منى عدم الانصراف بعد اجتماع مجلس الوزراء ، وسيكون هنالك لقاء قصير فى مكتبه على جانب آخر من هذه البناية فى الدور العلوى…
– فى مكتب فخيم اختار مؤسسه اللون ( البيج) الأقرب إلى الأبيض المُشرب كنتُ أجلس قبالة الفريق الذى قطع مساحة الصمت بحديث عام عن المناقل وعن علاقته بها وعلاقة والده عليه الرحمة بوالدنا وعلاقتنا كأشقاء بأشقائه الذين تزاملنا معهم فى المدارس والجامعات … كان السيد عبدالرحيم يفهم أن هذا المدخل مهم كأهمية الإحماء وتفكيك العضلات قبل بدأ المباراة …وانا أيضا فهمت ذلك… المهم
– طبعا أكيد انت بتكون عرفت إنى طلبت من دكتور الصادق ترشيح شخص آخر غيرك للوزارة..وطبعا مافى أى سبب شخصى فى الموضوع ده ..انا ياحسن زول عسكرى مش ملكى زيكم التقارير الأفقية والرأسية هى أهم شى عند ضابط الجيش قبل ابتدار أى معركة (مش زى الملكية) الممكن يتجاهلوا التقارير، والتقارير دى هى كان سبب طلبنا لدكتور الصادق …هممت بالحديث ولكنه أشار بيده …الموضوع ده انتهى انت الآن وزير معنا فى الحكومة مسؤول عن ملف الحكم المحلى، ومنذ أداء القسم انا لااعرف حزب الأمة او المؤتمر الوطنى…أعرف مجلس وزراء الحكومة وأنا مطالب بالدفاع عن حكومتى حتى تنجح وهذا سيكون محور التعامل …الشئ الثانى القيادة مقبلة على مشروع إصلاح الدولة ، مايلينا فى هذا المشروع مراجعة تجربة الحكم اللامركزى عبر مؤتمرات تنطلق من المحليات لتقييم التجربة …. الملف ده إدارى سياسى قانونى وأظنه يتناسب مع مقدراتك …هممت بالتعليق ولكنه منعنى للمرة الثانيه .. الإجتماع ده قصير ومحدود لى قدام بسمع منك …جمع أوراقه من على الطاولة الجانبية ليعود إلى مكتبه …اسمع …(هكذا استدرك) ..جماعتنا ديل فيهم ناس ماحيتعاونوا معاك وفيهم ناس (حيركبوا ليك مكنات كبيرة )..أوعك ترفع من زول وأملا كرسيك) …ضحكتُ وقلت له انا ذاتى بى (مكنتى الكبيرة) مابتحصل عوجة…وأنا قريب من باب الخروج رأيتُ أن أقول له عبارة أخيرة تعمل كساحبة دخان لما يمكن أن يكون قد تبقى من خيوط توتر ….قلت له ياسعادتك (إنتو جادين فى قصة إصلاح الدولة ده) ؟؟ ضحك وكانت المرة الأولى ولم تكن الأخيرة..
– بعد شهور كان ملف تقييم تجربة الحكم اللامركزى يستغرقنى بالكامل وكنت أعيد قراءة الأوراق المطروحة للنقاش اكثر من مرة واسجل ملاحظاتى على طرف الذاكرة …
– كانت بعض الأوراق تسأل السؤال الصعب هل من الممكن أن ينجح نظام حكم لامركزى فى ظل نظام سياسى مهما قيل عن خطوات انفتاحه فهو نظام سياسى قابض أو شبه مركزى ؟ مثلا كيف ستنجح مستويات الحكم الأدنى وهى مقيدة بالقيد المالى المركزى والولائى؟ وكان من ذلك إننى وفى طوافى على المحليات عرفت من مدير وحدة سوق ستة بالحاج يوسف أن ربطه المالى السنوى مبلغ مليارى ضخم فسألته..طيب مالك ماقادر تعمل صرف سطحى واضاءة للسوق وشبكة صرف مركزى …ضحك يومها الضابط الإدارى وقال لى وين ياسعادتك؟ أنا (بورد) الإيرادات دى (صرة فى خيط) لرئاسة المحلية بعداك هم بنزلوا لى إذن الصرف بتاعى …اخرج قلم ( بك ) من جيبه وقال لى انا مابقدر اشتري القلم ده إلا يجيني تصديق من المحلية …. هززت راسى وقلت له طيب حكم محلى كيف؟
– من الأسئلة الملحة الأخرى هل النسق الإدارى الحالى هو الأنسب ام العودة لنظام المحافظات والبلديات بدلا عن نظام الولايات والمحليات ، وإلغاء وظيفة المعتمد او تقليص مهامه وتوسعة صلاحيات (المدراء العامين) وإعادة الروح فى جهاز الضباط ( الإداريين) ودعمه وإعادته كما كان .. شبه جهاز نظامى فيه الكثير من ملامح جهاز الشرطة تدريبا وانضباطا وقدرات ، ولكن السؤال الأكثر صعوبةََ هو هل الإنقاذ كانت على إستعداد وقتها وقادرة على التخلى عن دور المعتمد أو تقليص صلاحياته؟؟ وهذا هو السؤال الذى قاد لاحتكاك مشهود بين الدكتور نافع واللواء الطيب إبراهيم محمد خير من جهة وبين قدماء الضباط الإداريين من جهة فى لقاء شهير فى قاعة الصداقة
– المهم
– نسيتُ ان اقول ان مجلس وزراء حكومة الفريق عبدالرحيم كان يضم خبرات حقيقية عالية الكفاءة يشهد الله أننى استفدت من نقاشاتهم وتداولاتهم واستشاراتهم الكثير ماعوضنى كثير من الزمن والوقت الذى اهدرتُه فى مسارح القول والهتاف …من أولئك السادة الأخ الكريم عادل محمد عثمان وزير المال والاقتصاد والذى حملتُ له تساؤلاتى عن هذه المركزية المالية ولماذا لا يعود المال الذى تجمعه الوحدات الإدارية لصالح تلك الوحدات وإلى أى مدى يهزم هذا النهج فكرة الحكم المحلى واللامركزى عموما؟
ـ ضحك الأخ عادل وقال لى (أبرد يازول واسمعنى) ..انت مشيت وحدة من وحدات الأسواق ونحن فى الخرطوم عموما عندنا (116) وحدة إدارية منها (16) وحدة أسواق وهذه ذات دخل مالى عالى ، بقية الوحدات سكنية القليل منها ذات إيرادات عالية ، ولكن غالبيتها عاجزة ودخلها ضعيف وبعضها عديمة الدخل ، فإذا اعدنا لكل وحدة إدارية دخلها فسنترك ثلاثة أرباع الوحدات بلادخل ، هذا هو السبب الأول ، السبب الثانى هنالك قضايا كلية تحتاج لتخطيط وصرف مركزى مثل قضية المياه ، فالخرطوم فى حاجة لبناء خمس محطات مياه حتى نتخلص من ضخ المياه عبر الآبار ولك ان تعلم ان اكثر من 50% من إنتاجية المياه عندنا مصدره الآبار ولهذا فإن إمداد المياه فى الصيف ينضرب إلى أكثر من النصف بسبب إنحسار مياه النيل وانقطاع الكهرباء تبعا لضعف التوليد الذى يقود لتعطيل الآبار، ثم الصرف على سفلتة الطرق وصيانتها واضاءتها ، لكن الأهم الذى أريد توضيحه لك ..إن المالية لا تأخذ الأموال إلى خزانتها نحن فقط وعبر جهاز التحصيل الموحد نقوم برصد الأموال الداخلة عبر المحليات والوزارات ويتم اعادة ضحها عبر ماهو مجاز من مصفوفات تنموية وخدمية لكل محلية(
ولكل وزارة …فالمحليات لديها أولوياتها فى الصرف الذى أجازته وكذلك الوزارات ….(شفت كيف)
ـ ثلاث ساعات مضت وأنا والسيد عادل نتجادل حول فلسفة توسعة شرايين الحكم المحلى فى ظروف شح مالى واستقطاب سياسى حاد يزج بهذه القضايا الحيوية فى أتون التقاذف السياسى …وأنا أغادر مكتب السيد عادل سألنى ممازحا …(هو عليك الله اسهل شغلتنا دى وله شغلة المعارضة) …أجبته والله المعارضة تراها لعب ساكت .!!
ـ اقتحمت يومها على السيد الوالى مكتبه وكانت قد تمتنت بيننا أواصر الثقة والتواصل وتبادل الآراء …نسيت أن اقول ان للسيد عبدالرحيم العديد من الميزات القيادية والإدارية …أهمها أن مجلس الوزراء كان هو الوحدة الحقيقية والوحيدة التى تُناقش وتتخذ فيها القرارات ولم يكن هنالك مطبخ جانبى حزبى تأتى منه القرارات مطبوخة بل وللمفارقة فإن البعض وبعد مرور سنة من دخولى مجلس الوزراء كان يتهمنى والبروف مأمون بأننا مطبخ قرارات السيد الوالى ومرد ذلك أن الرجل فك الله أسره كان يهتم بالآراء التى تُقال فى الإجتماع غض النظر عمن قالها وغض النظر عن تصنيفه الحزبى والسياسى فقد كان رجلا عدلا ينزل الجميع منزلة المساواة …ولكن مرد ذلك الظن فقد كان البروف مأمون عالما يتحدث عن علم ومعرفة وكنتُ مشاغبا لا أدخر رأيا أو ظنا فى مسألة إلا وقلتُه وكان سعادته يأخذ بكثير مما نقول ويقبل ..سألني مرة وهو فى الحقيقة كان يسأل نفسه ( نحن قانون نقابة المنشأة ده عملنا بتين؟) … وكان قد استعصى علينا نقل بعض الضباط بسبب هذا القانون …قلت له ضاحكا ( هو العملتو إنتو شوية ياسعادتك )؟؟ ضحك وقال (والله صحى) (لكن نلحق نصحح) ..كان عبدالرحيم رجلا محترما متواضعا يأخذ الرأى والحكمة أنُا وجدها … – أقولُ – اقتحمت عليه مكتبه وبلا موعد مسبق لأطلعه على مسار النقاشات فى مؤتمرات التقييم ..قلت له كنتُ قد سألتٌك عن العزم لتقبل وتنفيذ مسار التوصيات فى مؤتمرات التقييم …كل النقاشات الآن حول موقع وصلاحيات المعتمد …هنالك ثلاث مسارات ..الغاء المنصب كليةََ ..تقليص نفوذ المعتمد …مباعدة يد المعتمد من الصرف على التعبئات الحزبية …قاطعنى الوالى …(قول) الصرف على التعبئة السياسية …المعتمد لايستطيع أصلا الصرف على (التعبئة الحزبية) ….لكن عموما نحن كولاية سنرفع التوصيات كما هى …وهذا ماحدث بالفعل ولكن ماذا عن التوصيات بعد أن تم رفعها إلى اللّجنة الإتحادية ( الفوووق) ؟ وهذا ماسنخوض فيه لاحقا
– الشاهد فى الأمر أن الإنقاذ وعلى طول ماحكمت وعلى كثرة ماأخطأت فقد كان فى داخلها صوت نقّاد لايهدأ ورغبة فى التصحيح والإصلاح لاتفتر ولكن لكل أجل كتاب
ـ المهم
. و …… نحن (حكينا) كل الحكاية دى ليه ؟؟؟
ـ نعم سردنا كل هذه الأحاجى لنقول لو أن معارضة (السجم والرماد) هذه والتى ينتمى إليها إبراهيم الشيخ تعاملت مع نفسها كحكومة ظل ولم تستسهل مفهوم العمل المعارض وجهزت تصوراتها عن كل ملفات الحكم فى كل المستويات وجهزتها كرؤى بديلة وتجاوزت حالة الصراخ والهتاف الأجوف لما ضحك عليها الناس وهى تصعد إلى الحكم وهى بهذه السطحية والعجز المهول والمخيف
ـ نعم ثلاثون عاما كانت كافية لإنضاج تجربتها كحكومة ظل وسلطة بديلة تتجاوز أخطاء الإنقاذ وتبنى على نجاحاتها ولكن هيهات ..رضيت المعارضة أن تعيش أكثر من ثلاثة عقود كظاهرة صوتيه هتافية وعندما جلست على مقاعد الحكم فشلت فى أن تدير ( لجنة) ولم يجد الناس لها اثرا غير اثر الفشل والفساد والخراب الذى لاتخطؤه عين
نواصل
حسن إسماعيل
مصدر الخبر