حرمة الذكريات في أتون الصراع السياسي
محمد بدوي
الذكريات هي أحداث تختزنها الذاكرة، تتنوع بين العامة والخاصة، والإيجابية والسلبية، وتؤثر في حياة الأفراد والمجتمعات، وتلعب دورًا في تشكيل المستقبل وفقا لطبيعتها. ومع ذلك، تبقى الذكريات الخاصة محمية بميثاق الخصوصية والقيم الأخلاقية، التي تفرض احترامها وعدم انتهاكها.
يوفر القانون حماية لميثاق الخصوصية التي تعطي الحق في التعامل معها نشرا وسردا بهدف الاستخلاص، لكن الذكريات تحظى بحماية أخلاقية أكثر منها قانونية. فالقيم المرتبطة بالوفاء والمروءة واحترام الآخر، تعتبر جدارا منيعا لصد انتهاك خصوصية الذكريات. لذلك، يترك ضمير المجتمع بعض القضايا ليحكم عليها وفقًا للأعراف الأخلاقية، ويكون الاستهجان إحدى وسائل العقاب على انتهاك هذه الخصوصية.
وقد احتفى الغناء السوداني بالذكريات في العديد من الأغاني، حيث استخدمت الذكريات كأداة للسلوى، أو للتعبير عن الوفاء، أو غيرها من المشاعر النبيلة.
إلا أنه في الفضاء العام المرتبط بالعمل السياسي والمدني، برزت ظاهرة استغلال الذكريات في الخصومات السياسية، في تجاوز لحق الخصوصية، وتحويل للذكريات الخاصة إلى سلاح في المعركة السياسية. قد يرى البعض أن هذا مجرد تجاوز أخلاقي، لكنه في الواقع يعكس تراجعًا في مفهوم الحوار، وخلطًا بين العام والخاص، وسعيًا محمومًا لتحقيق النصر بأي ثمن.
يمكن تفسير هذه الظاهرة من خلال تأثير العنف المجتمعي والسياسي الممنهج، الذي يستهدف الخاص والعام على حد سواء، بهدف القهر والسيطرة. فتراكم حالات العنف، مثل تقييد الحريات ومنح التصاريح لإقامة الحفلات أو التظاهر، ساهم في اختراق العنف لحرمة الذكريات.
كما ساهم التراجع في الخطاب السياسي والمعرفي، وانتشار لغة الإساءة والتحقير، في تفاقم هذه الظاهرة. وقد ازداد الأمر سوءًا مع انتشار خطاب الكراهية الذي تتبناه السلطات الرسمية، مما أدى إلى غياب الضوابط وتلاشي الحدود بين العام والخاص.
لقد امتدت آثار حرب أبريل 2023 في السودان لتشمل النفس والكرامة الإنسانية والممتلكات، كما أنها لم تسلم من انتهاك الذكريات في الصراع السياسي، مما يكشف عن مدى تأثير الحرب وعجز أطراف النزاع عن تحقيق أي تقدم إيجابي نحو وقف الاقتتال.
إن الحرب الدائرة في بلادنا، والتي تتسع رقعتها بشكل ينذر بالخطر، تدعونا إلى التفكير في احتمالات فقدان الوطن. وفي ظل هذا العجز عن إيقاف الحرب، أليس من واجبنا أن نحمي ذكرياتنا ووجداننا من هذا المنعطف الخطير؟
في الختام، أدعو إلى احترام الذكريات والحفاظ عليها كجزء من الهوية الوطنية والإنسانية، فهي كنز لا يقدر بثمن.
المصدر