حرب ضد السودانيين أولاً – سودان تربيون
[ad_1]
مهند الحاج علي
الكثير من الأخبار اليومية تخرج عن الحرب في السودان، أكان لجهة القتال في إقليم دارفور أو أحياء العاصمة أو شؤون النزوح الداخلي وحساسياته، لكن الأكيد للآن عامل أساسي: لا يُسجّل أي من الطرفين المتقاتلين، أي الجيش و”قوات الدعم السريع”، تقدماً حاسماً ضد الآخر. ولا توجد أي مؤشرات الى عوامل ميدانية ولوجستية قد تقلب الدفة باتجاه دون آخر، في المدى المنظور على الأقل. لا بل بالإمكان الجزم بأن الصراع على الأرض يُنتج تحولات مواتية لاستمراره، أكان لجهة صعود طبقة جديدة من المستفيدين من القتال، أو لناحية إلغاء السياسة المدنية بالبلاد والحاقها بالقوى العسكرية الممسكة بالأرض.
في الشق الأول، الاعتماد على الذهب كان قائماً لقوات الدعم السريع، في حين أمسكت المؤسسات العسكرية بمفاصل الاقتصاد والموارد المحلية الأخرى.
وهذا القبض على الحياة العامة بالمال والسياسة يترافق أيضاً مع تحولات ديموغرافية على مستويين، الأول هو توطين الميليشيات بعد نهب مناطق سكنية واحتلال منازل ومرافق عامة. ولا استثناء هنا، بل قاعدة، إذ حصل هذا التغير في بيروت إبان الحرب الأهلية اللبنانية وفي عواصم أخرى شهدت قتالاً ضارياً بين قوى محلية مختلفة.
المستوى الثاني في التحول الديموغرافي هو موجة الهجرة الواسعة النطاق من الخرطوم وغيرها لخارج البلاد. وهذه الهجرة ستُؤدي الى زيادة في التحويلات المالية للداخل السوداني، وهو صنف من الريع يُساهم غالباً في تعزيز واقع الحال. حتى ميدانياً، سنرى جموداً ورسماً لحدود شبه ثابتة. بعد أسابيع وشهور، ستصير عمليات القتال أشبه بكر وفر في مناطق محدودة لا تهدف إلى تبدلات كبرى على الأرض.
سلوكيات القوى المتحاربة ستتغير نتيجة التحديات المالية. صحيح أن قوات “الدعم السريع” تبدو اليوم أكثر ميلاً للنهب والفوضى والاحتلال، لكنها صاحبة المورد المالي الأكبر، نتيجة الاستحواذ على الذهب، في مقابل جيش لا بد أن تتقلص موارده نتيجة تراجع أداء الاقتصاد حتى لو كانت شركاته احتكارية. لأن الجيش يعتمد على مالية دولة تتبخر، وعلى موارد لم تعد كافية، لا بد أن نرى المزيد من السلوك الميليشيوي في صفوفه، ليس بالضرورة بين الجنود والضباط أنفسهم، بل ربما كذلك من ميليشيا أخرى عليه أن يخلقها في هذه المواجهة، تماماً كما فعل مع “الدعم السريع” وقبلها الجنجويد.
وغالباً لا تتسع صدور الجيوش لمواجهات طويلة المدى مثل هذه، وتلجأ القيادة الى إيجاد ميليشيات بديلة “تحت السيطرة”، تتولى مهاماً أغلبها جُرمي الطابع، ويُفضل ألا يُؤديها العسكر النظامي كونها مخالفة لطبيعته وتدريبه. هكذا حصل في حروب عديدة وآخرها سوريا حيث نبتت ميليشيات محلية لخوض مواجهات عسكرية على الأرض، والافتراس في تحصيل الموارد المالية والاقتصادية.
وهذه ستكون مفارقة صارخة، أن يخلق جيش نظامي ميليشيا لقتال ميليشيا أخرى.
في نهاية المطاف، هذا جيش يُعيد البلاد الى زمن الحصار الدولي ونظام العقوبات المحكم، من خلال سلسلة خطوات كان آخرها اعتبار الخارجية السودانية مبعوث الأمم المتحدة الألماني فولكر بيرتس شخصاً غير مرغوب فيه في البلاد. كما تُضيف العقوبات الأميركية على أطراف النزاع في السودان، حجر زاوية أخرى لإعادة هذا البلد الى زمن نظام الفريق عمر البشير في العلاقة مع العالم الخارجي.
لكن الجيش، بالميليشيات والموارد المحلية، سيتكيف في نهاية المطاف، ويُبقي النزاع مستمراً بشكل من الأشكال.
يبقى المتضرر الأكبر من النزوح والتدمير والهجرة المتواصلة والقتل والنهب وتردي الخدمات الطبية والأساسية في البلاد، هو الشعب السوداني الذي لا ينفك يُغادر مسيرة جلجلة مثقلة بالآلام والأوجاع، حتى يُلحق بأخرى.
المصدر