حامد الناظر: ستنتهي هذه الحرب بإذن الله دون أن تكون لها أية ارتدادات مخيفة كما ظل يتصور البعض
تبدو أزمة الحرب هذه معقدة وعميقة في ظاهرها، لكنها في الوقت نفسه بسيطة وواضحة، وسيكون حلها بالبساطة نفسها. قصدت جميع الأطراف -عن عمد- إثارة غبار كثيف حول أسبابها ومآلاتها لكي تخفي نواياها الحقيقية ومصالحها منها خلف ستارة كثيفة من الأكاذيب والادعاءات ولكي تشوش الرؤية على اللاعبين الآخرين، لا أكثر ولا أقل.
لدينا عدة لاعبين في هذه الأزمة وأهمهم بالطبع الطرفان المتحاربان، قادة الجيش والدعم السريع، وتكتل الحرية التغيير جناح المجلس المركزي، والنظام البائد بشقيه السياسي والعسكري بالإضافة إلى أطراف اتفاق سلام جوبا وحلفائها، فضلًا عن المجتمع الدولي بمحاوره ومصالحه المختلفة، هؤلاء هم اللاعبون الأساسيون، بيد أن معظمهم وإن جرى توريطه من قبل خصومه من أجل تجريمه أو اقصائه، تبقى الحقيقة واضحة وهي أنها حرب بين طرفين من أجل احتكار السلطة والإفلات من المساءلة وأسباب ثانوية أخرى، هذا كل شيء.
لا شك عندي أن الدعم السريع هو من بدأ هذه الحرب، وهذا واضح من معطيات الساعات الأولى والهجوم المنسق والمتزامن لقواته على مواقع عدة، لكن هذا ليس مهمًا الآن، فالمهم هو دافعه إلى هذا التحرك والذي يبدو استباقًا لخطة مماثلة لقيادة الجيش التي قررت منذ أشهر التخلص من عائلة دقلو وإزاحتها عن المشهد، ولو لم يتحرك الدعم السريع لكان الجيش سباقًا إلى ذلك وبالتالي لا أهمية لهذه المسألة إلا من وجه واحد أنها جرت بغطاء خارجي لكلا الطرفين، فمن حرض دقلو يرغب في نسخ التجربة الحوثية للسيطرة المجانية على الموانيء، ومن حرض البرهان يرغب في قطع الطريق على هذه الرغبة لكي لا تتكرر تجربة اليمن المريرة، وكذلك لقطع دابر روسيا ومجموعة فاغنر في السودان والإقليم.
ستنتهي هذه الحرب بإذن الله دون أن تكون لها أية ارتدادات مخيفة كما ظل يتصور البعض، لا حرب أهلية ولا حرب شاملة طويلة ولا إقليمية. ستنتهي على أحد سيناريوهين اثنين ولا ثالث لهما، الأول أن ينتصر الجيش بصورة حاسمة ويتصدر البرهان وأركان حربه المشهد، وفي هذه الحالة سيعمد سريعًا إلى تطهير الجيش من الضباط الإسلاميين لكي يستتب له الأمر وإن لم يفعل ذلك فقد يغادر المشهد بانقلاب ناعم، وفي حال نجاحه سيشتري المزيد من الوقت ويتبنى عملية سياسية جديدة قوامها الأساسي الكتلة الديمقراطية مع إضافات من بعض الإسلاميين وأحزاب الحرية والتغيير جناح المجلس المركزي إلى أن يقضي الله أمرًا.
السيناريو الثاني هو أن تنتهي هذه الحرب بالمفاوضات، ولن يباشرها الجيش بصورة جدية حتى يتحقق من أحد أمرين، إما تحييد قيادة الدعم السريع (مقتل الأخوين دقلو) أو تفتيت النواة الصلبة لهذه القوة بحيث يفرض الجيش شروطه في الدمج والتسريح ولا تشكل تهديدًا له في المستقبل، وكما في السيناريو الأول فإن العودة إلى عملية سياسية أشمل تدمج بين عدد من القوى السياسية سيكون المآل.
في كل الأحوال فإن فرص عودة النظام البائد كما تصورها البعض تكاد تكون معدومة، وهو أمر جرى تضخيمه من أجل التشويش والمزايدات لا أكثر ولا أقل، كما هو الحال بالنسبة لاتهام قوى الحرية والتغيير بالتخطيط لانقلاب يقوده الأخوان دقلو، وهو أيضًا معركة دعائية ضعيفة الحجة ومستحيلة التحقق. لن يتغير المشهد كثيرًا بعد انتهاء هذه الحرب التي ستقتلع شوكة آل دقلو وكذلك شوكة بعض الضباط الإسلاميين الموتورين الذين تحمسوا أكثر من اللازم فكشفوا عن أنفسهم ومواقفهم، هذا كل شيء تقريبًا وسيواصل قطار الانتقالية طريقه الأبدي لا يلوي على شيء، هذا والله أعلم.
حامد الناظر
مصدر الخبر