جناية الشلَّاقي على السودان – النيلين
( أنا الوقفت مع الشعب، أنا البقيت العدو الآن، لأني أنا مفروض محلي وين، طوالي أمشي هناك أكون برة، أقابل ناس منِّي بكرة لما يجو راجعين، ما نستقبلهم زي استقبالنا دا، لا، نتقاتل في وادي هور، ونتقاتل في هناك قدام، ونتقاتل في وين، دا المطلوب مني، دا دوري أنا، لكن يا جماعة أهلنا قالوا الشلَّاقي ما خلَّى عميان، ما بنغلط تاني والله، ما خلَّى عميان الشلَّاقي ) – محمد حمدان دقلو
سمعنا بالرجل يتنكَّر لماضيه، والرجل يبصق على تاريخه، لكن دائماً كان الهم الأول لمن يُتَّهمون بهذا هو الربط بين مواقفهم الجديدة والمبادئ،، لكن لم نسمع بمن يكاد يسلِّم بأن المصلحة الشخصية التي تفتحت عيناه عليها مؤخراً، لا المبادئ، هي الدافع الأول، وربما الوحيد، لكل مواقفه وتحولاته :
▪️ إلا حميدتي الذي وضع المبادئ جانباً، ويكاد يقول إن مصالحه هي بوصلته الوحيدة، والذي اختار هذا المثل الشعبي الذي يعبِّر – بطريقة استخدامه له – عن الأنانية الخام الساذجة المكشوفة ..
▪️والذي اختصر الانقلاب/الثورة/ التغيير في شلَّاقي أزال عماه وأرشده إلى “مكان السمينة”، فالمثل، كما استخدمه، يقول : كنت – أنا/الدعم السريع – قبل التغيير ضحية تعمية إنقاذية بشيرية متعمدة تقزِّم دوري، وتحصره في الدعم السريع للمهام القتالية ضد حركات التمرد، أما الآن فقد زال عماي، وعلمت بمكاني الطبيعي في قصر الحكم في الخرطوم، لا كجزء من “انحياز” مؤقت لـ”ثورة” وإنما كحق طبيعي لي أراني إياه الشلَّاقي ، وأراني أن مكان قواتي هو حيثما تقتضي حراسه منصبي..
▪️ والذي أصبحت الشكوى من التهميش عادته الدائمة، وهو الممكَّن تمكيناً قديماً أهله لخداع الإنقاذ، والمساهمة في إسقاطها، وتمكيناً جديداً أهَّله لأن يكون المقصد الأول للأحزاب الباحثة عن التمكين به ومعه بعد أن عز التمكين بواسطة الشعب، وبعد أن أراها “شلَّاقيها” الذاتيين والداخليين والخارجيين أن المصلحة كل المصلحة في تكامل عمل الشلَّاقين، والاستفادة من وضع حميدتي الباحث عن أي شكل من أشكال الشرعنة لوضعه الجديد ..
▪️ والذي يرى بأنه الآن مهمَّش من قطاع من الشعب ( الذي لم يقدِّر وقفته معه واعتبره العدو ) ، واعترض على عمل الشلَّاقي، ويريد، في الحد الأدنى، أن يلزمه بقانون الدعم السريع، تماماً كالحكام السابقين، وفي الحد الأعلى بدمج قواته وتذويبها وإخضاعها تماماً لسيطرة الجيش ..
▪️ والذي بتخطئته لما كان يقوم به الدعم السريع من مهام يزيد نار التشكيك في شرعيتها حطباً، بما يوفره للمشككين من أدلة تنقل الجدل من ملاءمة أو عدم ملاءمة قانون الدعم السريع إلى الجدل حول عدم الالتزام به أصلاً ..
▪️ والذي يتحدث عن ماضي الدعم السريع القتالي وكأنه كان أم الأخطاء، ثم يتمسك بكل إمتيازات ذلك الماضي “الخاطئ” على أساس إنها أم الجوائز المستحقة على أعظم عمل وطني !
▪️ الحد الأدنى لما يجب أن يفعله حميدتي إن أراد السير إلى نهاية الطريق الذي دله عليه الشلَّاقي – إن قبل السودانيون بذلك – هو أن يبدأ بأثر رجعي، من حيث ابتدأت الحركات المتمردة، أي أن يغير اسم قواته، ثم يشتريها من مالكها الشعب السوداني، وذلك بأن يدفع كل تكاليف التدريب والتسليح والرواتب والرتب، وكل التسهيلات وغير ذلك منذ تأسيس الدعم السريع إلى الآن، إلى آخر ما يراه الشعب ثمناً معقولاً لتحويل الدعم السريع من قوات مساندة للجيش إلى حركة ملك لأسرة تريد – استجابةً لنصيحة الشلَّاقي – نصيبها في السلطة والثروة بما يفوق أنصبة الحركات مجتمعة ..
▪️ التقارب بين كلمتي ( الشلّاقي ) و( الشلاقة )، في السياق الذي نتحدث عنه، ليس لفظياً فقط . يجمعهما، فوق ذلك، التهور وعدم االخبرة، والآثار الجانبية الضارة، وأترك الفتوى للأطباء فيما يخص تشليق العيون .
المؤكَّد أن الشلَّاقي – ثورةً كان أو ذاتياً، داخلياً كان أو خارجياً – جنى جناية كبيرة على السودان، وربما على حميدتي نفسه، جناية تزيد كثيراً عن جناية البشير على نفسه حين ضخَّم حميدتي أكثر بكثير مما يقتضي الحذر .
إبراهيم عثمان
مصدر الخبر