جعفر عباس يكتب.. تجربتي كأب
[ad_1]
لم تكن لي سياسة او نظرية معينة لتربية عيالي، فقد اتبعت الموروث العام في التربية، وحرصت على أن يعرف عيالي ان “لا يعني لا”، أقصد أن أحدد لهم ما هو غلط او عيب في حديثهم او سلوكهم ب”لا” حاسمة وجازمة، فالسلوك القويم هو الابتعاد عن الحرام والعيب وما هو خطر، مع إعطائهم هامشا كبيرا ليمارسوا طفولتهم وعبثهم ومرحهم، وزجرهم بحزم فقط اذا أخطأوا، ولكنني لا أحبذ استخدام الوالدين لكلمة “لا” بإسفاف، ل”يمسخوا” بها حياة العيال ،
كنت لا شعوريا استحضر مواقف عباس سيد أحمد تجاهي، واتذكر انه ضربني ضربة واحدة مرة واحدة لأنني ارتكبت خطأ كبيرا، وبعدها لم اكرر ذلك الخطأ، ولكن امي آمنة ضربتني كثيرا أو حاولت ضربي كثيرا، ولكن وكلما أدركت انها بصدد الهجوم علي كنت انطلق كالسهم مبتعدا عنها، وكثيرا ما كنت أهرب من الضرب وأطلب اللجوء في بيت خالتي فاطمة وأمثل دور الضحية
رغم حرصي على أغمر عيالي بالكثير من الحنان والحب، إلا أنني مدرك ان هناك خيطا رفيعا بين بذل الحنان والتدليع، وان الدلع يجعل الانسان هش العود وغير مهيأ للتعايش مع الظروف الصعبة والتغلب عليها (والدلع وشرب الشاي مع القرع مثل شعبي بليغ يقول ان الدلوع يرتكب أخطاء وحماقات مثل الجمع بين النقيضين: الشاي والقرع)، باختصار كنت أعمل بمقولة: لا تكن ليِّنا فتُعصر ولا يابسا فتُكسر
وكما معظم الآباء والأمهات حرصت على كسب حب عيالي، ولكن ليس بالرشوة، ففي بعض البيوت يتنافس الأب والأم للفوز بحب العيال، ويسعى كل واحد منهما الى إثبات أنه الأقرب الى قلوب العيال، على حساب الآخر، وعلى حساب الضبط والربط التربوي، وتكون النتيجة ان العيال يعمدون الى استغلال هذه المنافسة الغبية لممارسة الابتزاز، والطفل الذي يعرف ان جميع رغباته مستجابة يصبح أسوأ نماذج الكائن الدلوع (كان ولدي لؤي وهو آخر العنقود يحاول ابتزازنا فلو رفضنا له طلبا يقول بصوت منكسر: يعني ما بتحبوني؟ فاقول له: نحبك شديد بس طلبك مرفوض، وخد راحتك في البكاء)
من الأشياء التي ورثتها عن أمي أمر يضايق عيالي كثيرا، وهو أن النوم لا يغشاني ابدا وواحد من عيالي خارج البيت ليلا، فقد كنت أعود الى بيتنا وأنا مدرس او موظف “قدر الضربة”، في نحو الساعة الثانية من الفجر واجد أمي صاحية وفور وصولي تهتف “تارونا يويوني/ وصلت يا حبيب أمك” ثم تستسلم للنوم لتصحو بعد 3 ساعات لصلاة الصبح، ثم إعداد الشاي والراديو مفتوح على هنا لندن، وتنتقل منه الى إذاعة ام درمان لتستمتع بصوت ليلى المغربي الشجي، وهكذا ودون صدور قرار من أمي بفرض حظر التجول علي ليلا صرت أعود الى البيت مبكرا، واليوم وفي الأمسيات يبلغني لؤي أنه ذاهب المكان الفلاني “ويمكن أتأخر، وعليك الله يا أبوي نوم”
وربما قصرت في حق عيالي في هذه الناحية او تلك، ولكنني لم اقصر قط في أمر تعليمهم، فقد كنت أرصد أداء كل واحد منهم على نحو منتظم، ولم أكن أطالبهم بأن يكونوا الأوائل، بل فقط ان يبذلوا كل جهد ممكن كي يكونوا ناجحين بمستوى طيب، وقبل ان يجلس أي واحد منهم لامتحان الشهادة الثانوية بسنة كاملة كنت أجلس معه/ معها طويلا لمناقشة خيارات الدراسة الجامعية لتحديد نوع الدراسة المنشودة، وحرصت بشكل خاص على منح عبير ومروة أفضل فرص التعليم لأنني أؤمن بضرورة تمكين البنت لتحقيق درجة معقولة من الأمن والاستقلال الاقتصادي، ونحن من بلد يحتاج فيه جميع أفراد الأسرة ان “يتشايلوا” أي يتعاونوا لتوفير القوت الضروري، وعند بلوغ البنتين سن 18 سنة وخمس دقائق حرصت على حصولهما على رخصة قيادة السيارات، بمنطق قد يرزق الله كل واحدة منهما بسيارة تذهب بها الى العمل وتقضي بها المشاوير الضرورية، أو تستفيد من الرخصة في ساعة زنقة -لا قدر الله- وتشتغل بسيارة أوبر أو ترحال او ترحيل عيال المدارس
جعفر عباس
مصدر الخبر