السياسة السودانية

جعفر عباس يكتب: الموهبة تعلو ولا يُعْلى عليها

[ad_1]

قرأت تقريرا لصحفية خليجية حول النساء الخليجيات اللواتي اقتحمن مجالات المال والأعمال، جاء فيه أن نحو 5000 منهن يبصمن أو يستخدمن الأختام على الأوراق الرسمية، لأنهن لا يعرفن القراءة والكتابة، ولا شك أن التقرير رغم نغمة السخرية فيه، سيخرس أولئك الذين يعتقدون أن المرأة لا تحسن سوى الإنفاق والتبذير وإعداد السلطة بالخس والجرجير، فها هي، وبدون شهادات تقتحم مجالات كان يحتكرها الرياييل وصارت تكتنز الدنانير والريالات والدراهم والدلالير (وهذه جمع تكسير للدولار الذي يقوم بكسر ظهور العديد من الشعوب).

في أمريكا حصل خريج جامعي طالع فريش من الفرن، على أول فرصة وظيفية له كمساعد محاسب في شركة تجارية، وكلفوه في اليوم الأول بتنظيف المكاتب، فدخل مكتب المدير محتجاً: أنا جامعي فكيف تطلبون مني أداء عمل لا صلة له بمجال تخصصي، هنا اعتذر له المدير قائلاً: معليش يا ابني نسيت أنهم لا يدرسونكم أشياء أساسية في الجامعة، ثم أمسك المدير بالمكنسة الكهربائية وشرع في تنظيف المكتب والممر القريب منه، وأمسك بفوطة ومسح الطاولات، ثم التفت إلى الشاب قائلاً: شفت شلون.. بقليل من التدريب تستطيع أن تفعل كل شيء، ما أراد ذلك المدير ان يثبته لهذا الموظف الجامعي الجديد هو أن الجامعة في حقيقة الأمر لا تهيئك لأداء أي وظيفة، وحتى لو درست أحد العلوم التطبيقية (طب بشري وهندسة وبيطرة إلخ) فإنك تتعلم أصول المهنة بعد التخرج، وهناك مهارات ضرورية ينبغي على كل انسان سوي ان يكون ملما بها.

وشخصياً لم أدرس الإعلام ولا الصحافة، ولكنني ظللت أعمل في هذين المجالين معظم سنوات حياتي، وحصلت على فرص مهنية طيبة (بدون واسطة) لم تتهيأ للكثيرين ممن درسوا الإعلام وحصلوا فيه على شهادات طنانة ورنانة. (وبالتأكيد فإن أول من وضعوا أصول علم/ فن الإعلام كمنهج أكاديمي لم يدرسوا الإعلام بل مارسوه فقط، تماما كما أن أول شخص في تاريخ البشرية نال الدكتوراه، منحه إياها أشخاص لم يكونوا يحملون تلك الدرجة، ولكنهم كانوا حتما أكثر علما منه ويتحلون بالتواضع).

أبي بدأ حياته العملية عاملاً بسيطاً (بحارا) في النقل النهري (البواخر النيلية)، وكان أمياً بجدارة، أي أنه لم يكن يعرف حتى كيف يكتب اسمه المكون من أربعة حروف، ولكنه كان يملك عقلية تجارية، فاستغل عمله الذي كان يتطلب السفر ما بين جنوب السودان ووسطه، للمتاجرة في سلع بسيطة، ولكن أساسية، بل كان يعبر الحدود إلى يوغندا ويأتي ببضائع لم تكن تتوافر في سوق السودان الأوسط، ثم دخل مجال المطاعم حتى امتلك يوماً ما نحو ستة مطاعم، ولولا أن المرض أقعده عن إدارتها فأفلست المطاعم الواحد تلو الآخر، لكان اسم عباس اليوم في شهرة ماكونالدز، ولعاش أبو الجعافر في السودان معززاً مكرما تخطب الحكومة وده كي يتبرع لهذا المشروع أو ذاك و”أرفض”.

أقصد أن أقول إن كون أولئك النسوة أميات لا يعني بالضرورة أنهن فاشلات كسيدات أعمال، كما أن كون رجل الأعمال جامعياً ودرس إدارة الأعمال في القطب الشمالي، لا يعني أنه سينجح، وبعبارة أخرى فإن الاستعداد الذهني والفطري وامتلاك الرؤية والشجاعة في اتخاذ القرار، والاستعداد للمخاطرة هي الذخيرة الأساسية لرجل أو سيدة الأعمال، وهذه أشياء لا توفرها الجامعات، وما يؤكد صدق كلامي هذا هو أن جميع رجال الأعمال الذين كونوا ثروات في الأزمنة الصعبة كانوا أميين أو أنصاف أميين، ونجحوا لأنهم يملكون الأدوات آنفة الذكر واستعانوا لاحقا بالمتعلمين المتخصصين.

نعم، العلم يعزز فرص النجاح في كل مجال، ولكن هناك علوماً غير موجودة في الكتب والمدارس، وكم من شاب درس في جامعات الغرب وعاد متحمساً ليقنع الوالد بأن أساليبه التي جمع بها الملايين بدائية وغير علمية، ولابد من تغييرات ثورية وإعادة هيكلة للشركة، وخلال سنة ينسف الولد بـ “العلم الحديث” ما بناه أبوه في خمسين سنة بالـ “بصمة”.

صحيفة الشرق

[ad_2]
مصدر الخبر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى