تحقيق مثير لـ “سودان تربيون” يكشف عمليات تجنيد أطفال بدارفور
نيالا 11 مارس 2023 ـ حصلت “سودان تربيون” على تفاصيل ومعلومات تكشف عمليات تجنيد لأطفال في ولاية جنوب دارفور وإرسالهم للعمل في جنوب السودان وسط ظروف قاسية.
وامتدت أصابع الاتهام لحركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد نور بعد ادعاء الشخص الذي تولى تجنيد الأطفال انتمائه للحركة، لكن الحركة نفت بشدة علاقتها بالرجل.
وفي الخامس من يناير 2023 أدانت محكمة بنيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور، أبو بكر محمد عيسى بالتورط في اختطاف وتجنيد نحو 133 طفلاً وأصدرت في مواجهته حكماً بالسجن 36 عاماً.
وبدأت تفاصيل القضية التي تتبتعها “سودان تربيون” عندما شكت عدد من الأسر ببلدة “كأس” في ولاية جنوب دارفور من اختطاف أطفالها وترحيلهم إلى معسكر تجنيد تابع للحركة في جنوب السودان خلال أوقات متفرقة بيت عامي 2020 و2021.
وقالوا إن أبو بكر عيسى، الذي طرح نفسه كأحد منسوبي حركة تحرير السودان ويمتلك “مطعما” في بلدة “كاس” هو من جند الأطفال تحت إغراء المال.
وتكشفت تفاصيل الاختطاف عند تواصل أبو بكر عيسى مع إسحاق والد الطفل أسامة، وأخبره بتجنيد ابنه وآخرين لصالح جيش حركة تحرير السودان، وإنهم سيخضعون للتدريب 6 أشهر في معسكر بجنوب السودان.
وسلم عيسى أوراق الهوية “الرقم الوطني” الخاصة بأسامة إلى والد الطفل الذي سارع بإخبار أبكر موسى والد مزمل احد الأطفال المختطفين، حيث أن “مزمل وأسامة” رفاق دراسة وأصدقاء.
وقال إسحاق لـ “سودان تربيون”، إنه ذهب مع أبكر مرة أخرى إلى عيسى وأخبرهم أن أطفالهم بخير.
وأشار إلى أنهما طلبا الاتصال بالأبناء، لكن الرجل رفض بذريعة أن قائد معسكر التدريب لا يسمح للأطفال بالتحدث مع أسرهم، ومع ذلك طلب منحه مهلة لأيام ليتمكن من جعل التواصل ممكنًا، لكن المهلة امتدت لعام ونصف العام.
ضحية جديدة
وفي 18 يناير 2021، غادر الطفل محمد أبكر 17 عامًا إلى جنوب السودان مع 33 آخرين، جندهم أبو بكر عيسى، وعلمت السيدة حواء باختفاء أبنها محمد أبكر من مدير المدرسة حين ابلغها في اتصال أن محمد لم يداوم في المدرسة لثلاث أيام، بينما كانت الام تظن أن ابنها برفقة والده المتزوج من أخرى.
تقول حواء لـ”سودان تربيون”، إنها بحثت عن محمد دون جدوى، وقررت بعدها الذهاب إلى مركز شرطة “كاس” لتقييد بلاغ فقدان ، وقبل وصولها تلقت نصحا من أحدهم بالتوجه إلى أبوبكر عيسى لأنه نقل أطفال إلى جنوب السودان قبل ثلاث أيام.
استفسرت حواء ابوبكر عن محمد، فأطلعها على قائمة بأسماء الأطفال الذين جندهم ونقلهم إلى جنوب السودان، وكان بالفعل بين المجموعة الثانية.
تقول حواء إنها عنفته على إخراج الطفل من المدرسة وتجنيده وطلبت إعادته، فالتمس منحه وقتا لكن مضى على ذلك أكثر من عام ونصف.
وتشير إلى إنها ظلت تلاحق الرجل لاستعادة ابنها دون جدوى، إلى أن تلقت منه تهديدا باختطافها هي الأخرى وترحيلها في “جوال” إلى سجن تابع لحركة السودان بمنطقة “سورنق” بجبل مرة.
قالت حواء إن عيسى عرض عليها قوائم 5 رحلات غادرت إلى معسكر التجنيد في جنوب السودان، ضمت الرحلة الأولى 35 طفلا والثانية 34 طفلا والثالثة 25 طفل والرابعة 22 طفل والخامسة 17 طفل.
لم تجد الأم بداً من التوجه إلى الشرطة وتقييد دعوى ضد عيسى بعد التهديد الذي تلقته، حيث تم توقيفه ليتدخل قادة المجتمع المحلي ويتم الإفراج عنه بالضمان مع منحه 10 أيام لإعادة الطفل.
وبعد انتهاء المهلة دون أن يفي بوعده، جددت حواء الدعوى تحت المواد: 161 و162 و163 من القانون الجنائي والخاصة بخطف واستدراج الأطفال، وجرى ترحيل المتهم إلى سجن نيالا التي تبعد عن ” كاس” نحو 87 كلم.
هذا التطور، شجع أبكر موسى والد الطفل مزمل لتدوين دعوى ضد أبو بكر عيسى لتصل جملة الشكاوي المقيدة ضده من أهالي الأطفال لـ 14 دعوى.
أحكام قضائية
ونظرت محكمة الطفل بولاية جنوب دارفور، في قضيتان من جملة الـ 14 دعوى، قضت فيهما بسجن أبو بكر محمد عيسى 36 عامًا وتغريمه 18 مليون جنيه.
وفى الدعوى التي رفعتها ضده حواء والدة الطفل محمد أبكر، قضت المحكمة بسجن عيسى 7 سنوات وتغريمه ثلاث ملايين جنيه ، لمخالفته المادة 161 الخاصة بالاختطاف.
وفي ذات الدعوى، ولمخالفته المادة 162 المتعلقة باستدراج الأطفال قضت المحكمة بسجنه 10 سنوات وتغريمه ثلاث ملايين جنيه، ولمخالفته المادة 163 والخاصة باستغلال الأطفال تم الحكم بسجنه عاما وتغريمه ثلاث ملايين جنيه.
وحال عدم دفع الغرامة في مخالفته لهذه المواد من القانون الجنائي يُسجن 6 أشهر بما يصل مجموعه إلى 18 شهرًا؛ على أن تسري عقوبة السجن بالتتابع.
وفي الدعوى الثانية التي رفعها أبكر موسى والد الطفل مزمل، أدانت المحكمة عيسى بالسجن 7 سنوات وتغريمه ثلاث ملايين جنيه لمخالفته نص المادة 161 فيما حُكم عليه بالسجن 10 سنوات والغرامة ثلاث ملايين جنيه لمخالفته المادة 162.
وبشأن مخالفة المادة 163، قضت المحكمة بسجن عيسى لعام وتغريمه ثلاث ملايين جنيه، على أن تسري جميع العقوبات بالتتابع.
الحركة تنفي
وعلى الرغم من حكم المحكمة التي أكدت قيام المُدان باختطاف الأطفال لصالح التجنيد في حركة تحرير السودان، إلا أن المتحدث باسم الحركة محمد عبد الرحمن الناير نفى صلتهم بالرجل.
وقال الناير لـ “سودان تربيون”، إن “المتهم الموقوف لا علاقة له بحركة تحرير السودان، التي لا تستقطب من يود الانضمام إليها في القطاع العسكري عبر النفرة، وأن قرار الانضمام شخصي”.
وأضاف: “من يرغب في الانضمام، يذهب بنفسه إلى الميدان ويطلب التجنيد، شريطة أن يكون عمره 18 عامًا فما فوق”.
وأشار إلى أن النظام الأساسي للحركة ولوائحها العسكرية تمنع تجنيد الأطفال، وهي ملتزمة بالمواثيق الدولية التي صادقت عليها وتمنع تجنيد الأطفال.
تفاصيل مثيرة
نجح جعفر في الهروب من معسكر التجنيد بجنوب السودان، بعد أن رأى بأم عينيه عملية تصفية لأحد الأطفال.
ويقول لسودان تربيون إن عيسى عرض عليهم مشروع تجنيد في حركة جيش تحرير السودان، براتب شهري 120 ألف”مائتي دولار تقريباً” على أن يتم منح كل مُجند 7 مليون جنيه بعد استيعابهم كضباط في الحركة.
ويشير إلى إن هذا الإغراء جعل الكثيرين يتركون مقاعد الدراسة، كما أن عيسى أفادهم بأن الحركة لديها مدارس أفضل من التي يرتادونها الآن.
وأفاد أن جميع الاتفاقات جرت في “مطعم” ومنزل عيسى الذي اشترط عليهم السرية، مشيرًا إلى أن الرجل كان يقدم الوجبات للأطفال في المطعم الذي يديره بأسعار زهيدة ما سهل إقناعهم بمشروع التجنيد.
وبدأ تجميع دفعة الطفل جعفر، وفقًا لحديثه، في منزل عيسى الذي كان مسؤولا عن إطعامهم وتوفير احتياجاتهم لأيام وطلب منهم إغلاق هواتفهم وعدم الخروج إلى الشارع.
وأضاف: “بعد أن قضينا الـ 9 أيام في منزله، أحضر لنا حافلة “استايركس” و منح كل طفل 10 آلاف جنيه، ثم تحركت السيارة من منزله إلى معسكر كلما للنازحين بنيالا”.
وقضى الأطفال ثلاث أيام في منزل داخل المعسكر، وهناك منحوا 10 آلاف جنيه مرة أخرى، ليتم نقلهم إلى الضعين عاصمة ولاية شرق دارفور ومنها إلى منطقة المجلد بولاية غرب كردفان.
وقال إنهم وصلوا إلى المجلد الساعة العاشرة ليلًا، ليتم استضافتهم في منزل، تحركوا منه فجر اليوم التالي بسيارة إلى منطقة الخرسانة بولاية جنوب كردفان والتي تحاذي دولة جنوب السودان.
وتابع: “من هذه المنطقة، تم نقلنا بـ” لوري” مليء بجوالات بصل، وطلب منا القائمين على أمر الرحلة الاستلقاء أسفل الشحنة، حتى لا تكشف القوات النظامية أمرهم”.
وبالفعل نجحت السيارة في تخطي الحواجز الأمنية وصولا إلى منطقة “بونكي” على الحدود بين السودان وجنوب السودان، حيث معسكر التجنيد.
انتهاكات
قال جعفر إنه فور وصولهم، صودرت هواتفهم ومستلزماتهم الشخصية بما في ذلك الأموال والساعات والأدوية، ليجدوا أنفسهم تحت الإقامة الجبرية.
وأشار إلى أن عمل الأطفال في المعسكر ينحصر في جلب الأعلاف وقطع الأشجار لصناعة الفحم، إضافة إلى العمل في الزراعة، فيما يعتمدون في غذاءهم على “الويكة الصحراوية والماء والملح وقطعة من العصيدة تُمنح لكل شخص في يده”.
وكشف جعفر عن مقتل صديقه جار النبي بطريقة وحشية، بعد أن حاول الهرب حيث صُنف بأنه “خائن للثورة”.
وقال إن الشرطة العسكرية الخاصة بالمعسكر أحبطت هروب جار النبي، وأحضروه أمام الأطفال مقيدًا بالسلاسل الحديدية، ليقوم الجنود بضربه ورشه بالماء إلى أن مات بعد أن غطت الدماء جثته من كل جانب حيث كان ينزف من انفه وأذنه وفمه.
وقال جعفر إن الجنود استدعوا فردًا من السلاح الطبي الخاص بهم اكتفى بالنظر إلى الجثة، وقال إن “الضرب لم يكن سببًا في وفاته لكن أجله تم”.
وجرى هذا التعذيب فيما الأطفال مصطفين في طابور عسكري.
وأفاد بأن الجنود سألوا عمن يعرف جار النبي عن قرب، وكانوا ثلاث بينهم جعفر نفسه.
وتابع: “صدرت تعليمات أن نخرج نحن الثلاث ـ لنلف جار النبي بـ”مشمع” بلاستيكي كان ينام عليه، ومن ثم حملناه والدماء تتساقط، مع حراسة مشددة، إلى أن شيعناه لمثواه الأخير”.
وأردف “بعد عودتنا من الغابة حيث دُفن القتل، هددنا قادة المعسكر بذات المصير لكل من يحاول يهرب”.
ومع ذلك يقول جعفر انه تمكن من الهروب بمساعدة بعض الاشخاص لكنه رفض كشف تفاصيل تهريبه منعا لتأذي من عاونوه على الفرار.
والى الان ينتظر عشرات من ذوي الاطفال رؤيتهم من جديد بعد أن فشلت عديد من المساعي والتحركات لاعادتهم من جنوب السودان.
المصدر