تاريخ لا للحرب في سيرة البصيرة ام حمد
منذ تأسيس التحالف الوطني الديمقراطي بغرض استعادة الدييمقراطية في أوائل التسعينيات، عارضت أنا شخصيا مبدأ المقاومة المسلحة مهما كانت المبررات وكانت حجتي أن الحرب في ذلك الوقت كانت تدمر المجتمعات الريفية والنائيةولا يصح التعامل مع أهلها ومعاشهم كوسيلة لتسلق سلم السلطة.
قلت إن التعامل مع أهل الريف البعيد هذا أمر غير أخلاقي وهازم للذات لا بد. وفوق البعد الأخلاقي فانه عمليا عندما تتم شرعنة وجود الميليشيات المسلحة والجيوش الخاصة، سيكون الفائز الاكبر هو أمير الحرب الأكثر عنفا والذي يمكنه الحصول على أقصى قدر من الدعم الخارجي بعد أن يصبح عميل الخارج المفضل والخادم الأكثر طاعة وفي النهاية ستصبح الأحزاب السياسية والمفكرون والمدنيون تشكيلات هامشية في معادلة السلطة.
أتذكر قولي ان غلام عر، جاهل سيكون له رأي في المصير الوطني فوق أراء مخضرمين مثل التجاني الطيب والإمام الصادق المهدي. وهكذا كان موقفنا من العمل المسلح لا يكتفي بالبعد الأخلاقي بل جادل ان العمل المسلح خيار اخرق وقتها نسبة للسياق واستنادا الي حسابات باردة تعي المخاطر وتزن المنافع المحتملة وتقارنها بالخسارة المضمونة والمحتملة وتصل لنتيجة ان الامر انتحار.
وعلي موقفي من الحرب اتهمني دعاة العمل المسلح بأنني كادر إخواني وكان ذلك عارًا كاملا. أما بالنسبة لمن عرفوني قليلاً أو عرفوا ببعض عاداتي، فقد كانوا أذكي من اتهامي بالأخونة بشكل مباشر فاتهموني بأنني صاروخ غير موجه يخدم مصلحة الاخوان عمليًا على كلي حال. لاحظ عقل الوصاية الذي يجعلهم حكماء لهم من الذكاء والمعرفة ما يكفي لتصحيح أوراقنا السياسية والحكم علي موقفنا بثقة متأكدة ما تخرش الموية.
وكان ردي الوحيد علي تلك الاتهامات العاجزة ان طلبت من مطلقيها حث الاخوان علي ارسال شيك يكفي لتغطية تكاليف الجعة الصيفية.
مضى الزمن، ومرت الأيام بين بعاد وخصام والان بعد ان وصلت الحرب الخرطوم اكتشف حماقتها نفس من دعموها وروجوا لها واكسبوها محترمية واخترعوا لها حكاوي التبرير منذ تسعينيات القرن الماضي حتى سقوط نظام البشير.
وفجأة تحول أمراء الحرب وجنودهم ومثقفوهم وصحافيوهم الي حمائم سلام تغرد وتسجع ضد حرب عطلت متع حياتهم في العاصمة وغيرها من مدن. فهؤلاء قوم مع الحروب إذا كانت تقربهم من السلطة وضدها لو فعلت العكس أو دخلت في حوشهم.
والفرق ليس كبيرا بين حركات مسلحة وأحزاب مدنية تتحالف معها مصلحيا في لعبة السلطة لان شرعنة الميلشيا من قبل المدنيين يقوي من عودها ويلقي بمسؤولية أخلاقية علي حلفائها المدنيين الذين قرروا ركوب سرجها الوعر في الطريق الي السلطة.
انصار حروب الماضي الآن يرفعون شعار لا للحرب ولكن لن يعتذر أحد منهم عن الحروب التي أشعلها أو بررها في الماضي ثم لا يكتفون بذلك، فهم لا يزالون يمارسون نفس العادة الرخيصة المتمثلة في اختراع أي خيط عنكبوت واهي لتصوير من اختلف بالرأي علي انه مع الإخوان أو مغفلهم النافع دون تقديم أي دليل محترم. واهو كلام والسلام ولا عزاء للمعاير الفكرية ولا للمصداقية الأخلاقية.
وقد كان سقوط الذكاء والمعرفة والحكمة وسيادة الفكر التبريري والسطحية الديماغوغية الواثقة من نفسها هو المقدمة الضرورية لسقوط السياسة علي أسنة المدافع التي تحالفوا معها في شراكة سنعبرية مثالية متناغمة تتوجه نحو الديمقراطية والازدهار.
كما أُكِل الثور الاحمر يوم أُكِلَ الثورُ الأبيض أُكِلت الخرطوم يوم أُكِل سلام الريف.
معتصم أقرع
مصدر الخبر