بريطانيا وميراث الأحقاد والفساد والدماء
`بريطانيا وميراث الأحقاد والفساد والدماء`*“`
“`
اللواء (م) مازن محمد إسماعيل
▪️قانون المناطق المقفولة في السودان أصدره الاستعمار البريطاني في عام ١٩٢٢م ، وقد فرض القانون قيوداً صارمةً على حركة الأفراد والبضائع والتواصل وخلق قطيعةً بين أجزاء السودان المختلفة ، وهو ما عزَّز من سياسات الفصل الجغرافي والثقافي بين السودانيين ، ومزَّق أوصال الجسد السوداني الواحد ، ودقَّ إسفيناً لتقويض الوحدة الوطنية.
▪️يعتقد أغلب السودانيين أن قانون المناطق المقفولة قد فصل جنوب السودان عن شماله فقط ، بينما الحقيقة أن القانون قد شمل سبع مناطق سودانية ، وهي التي أصبحت تُعرَف حتى اليوم بالمناطق المهمَّشة ، وهي:
١. إقليم جنوب السودان بمديرياته الثلاث (الاستوائية ، أعالي النيل ، بحر الغزال).
٢. منطقة جبال النوبة.
٣. منطقة النيل الأزرق.
٤. إقليم دارفور.
٥. شرق السودان وخص به مناطق البجا.
٦. إقليم كردفان.
٧. مناطق الأنقسنا.
▪️تعمَّد المستعمر البريطاني في سنِّهِ وتطبيقه لسياسة فرِّق تسُد Divide & Rule ومأسستها قانونياً لأن يحقق الآتي:
١. فصل المجتمعات المتباينة عرقياً وثقافياً.
٢. الحد من انتشار الإسلام واللغة العربية في المناطق الناطقة بلهجاتٍ محلية أو غير المسلمة ، وانتهاج سياسة التبشير بالمسيحية.
٣. تسهيل الإدارة البريطانية من خلال تقليل التواصل بين الشمال والجنوب.
٤. تمزيق الوحدة الوطنية ، وتكريس القبلية والمناطقية ، ووأد فكرة الشعور القومي للشعب السوداني.
٥. عزل ثورات مقاومة الاستعمار كالتي انفجرت في جبال النوبة وقبيلة النوير عن أن تجد لها سنداً وطنياً من بقية أجزاء الوطن.
٦. تفريخ بؤر للصراعات الوطنية مستقبلاً بما يسمح له باستمرار تحكُّمه بأطراف اللعبة التي صنعها.
٧. تمكين الاستعمار من صناعة أذرعٍ سياسية واجتماعية واقتصادية في كل جزءٍ من السودان لخدمة سياسات المستعمر أثناء وجوده وبعد مغادرته.
▪️في عام ١٩٤٦م قام المستعمر البريطاني بتعديل القانون ليشمل جنوب السودان فقط ، وذلك للأسباب التالية:-
١. نجاحه بدرجةٍ كبيرةٍ في تحقيق أهدافه بجنوب السودان أكثر من غيره من الأقاليم ، فأراد أن يكرس الفجوة ما بينه وما بين بقية السودان ، ليكون جنوب السودان حاجزاً عن امتداد تأثير السودان ثقافياً وحضارياً إلى قلب إفربقيا.
٢. نجاح الاستعمار بقدرٍ معقول في خلق بؤر مُتخلِّفة تنموياً في المناطق التي عزلها وكرَّس تهميشها لأكثر من عقدين من الزمان.
٣. فشل عمليات التبشير والتغريب الثقافي في بقية المناطق الست الأخرى مقارنةً بما أحرزه الاستعمار في جنوب السودان.
٤. معادلات ما بعد الحرب العالمية الثانية التي قضت بانتقال كامل السودان من النفوذ البريطاني إلى النفوذ الأمريكي.
▪️يجب أن لا تنسى الأجيال القادمة في عملية إعادة بنائها للسودان على أُسسٍ وطنيةٍ بحتةٍ أن ذلك يستوجب الوعي العميق بميراث الاستعمار من التشريعات والقوانين والمناهج وأساليب التربية والتعليم والمؤسسات والكيانات وحتى العائلات التي صنعها الاستعمار وخلَّفها وراءه فظلَّت تتحكم في حياة الناس وتشكِّل وعيهم وتنبني على اكتسابها رؤاهم ومستقبلهم ، والعمل على معالجة كل ذلك يتطلب من الأجيال القادمة هندسةً عكسيةً دقيقةً لكل مخلفات الاسعمار وميراثه من خلال مشروعٍ وطنيٍّ شاملٍ .. لم تتوفق حكومات العهد الوطني بمجرد التفكير فيه ناهيك عن إعماله ، بل اكتفت (وبكل أسف) بالتماهي مع هذا الميراث ومحاولة توظيفه لصالحها.
▪️همسةٌ لذات الأجيال القادمة في شمال السودان وجنوبه .. عليهم فقط أن يتذكروا بأن اتفاق السلام الشامل ٢٠٠٥م لم يحقق سلاماً لا في الشمال ولا في الجنوب ، ولا حتى بين دولة الشمال ودولة الجنوب ، وأنه كان محض رضوخٍ لمؤامرات دوليةٍ لم تبدأ بوثيقة كامبل بنرمان (١٩٠٥م-١٩٠٧م) ولم تنتهي بالفوضى الخلاقة لتحقيق مخطط لويس برنارد الذي أجازه الكونغريس بالاجماع في جلسةٍ سريةٍ عام ١٩٨٣م (مقالات سابقة) ، وأن هذا الإتفاق عقدته حكومة انقلاب ١٩٨٩م ، ولم يتم فيه استفتاء الشعب السوداني ، وأجاز الاتفاقية برلمانٌ مُعَيَّن وغير منتخب ، والحركة الشعبية لتحرير السودان SPLM/A التي كانت الطرف الآخر من الإتفاق .. هي الأخرى لم تحظى بشرعية تمثيل شعب جنوب السودان ، والذين كانوا يقاتلونها من الفصائل الجنوبية المسلحة أكثر بكثيرٍ من الذين كانوا في صفوفها ، ناهيك عن بقية أهل الجنوب ، وأن امتيازها يومذاك أنها كانت هي قحت/تقدم زمانها بالنسبة للدول الغربية … ولا شك أن كل ذلك يقدح أخلاقياً وقانونياً ووطنياً في شرعية العملية برُمَّتها ، فضلاً عن عملية التزوير المُمنهجة والمكشوفة والمفضوحة التي تمت في عملية الاستفتاء (نسبة ٩٨.٨٣%) ، والتي سكتت عنها الألسن الرسمية والسياسية والشعبية ، ويقيني لو كان هذا الإتفاق جاء به نظام حُكمٍ غير إسلامي ..
لقاتل الإسلاميون في السودان ضد تحقيقه إلى يوم الدين ، ولكنه التعصُّب للمؤسسات والزعماء الذي يُعمي عن القيم العُليا ، ومن عجائب حُجَجِ الاستحمار في السودان أن الذين يقدحون في شرعية حكم الإنقاذ والمؤتمر الوطني في السودان .. هم ذاتهم الذين يستندون على رسوخ شرعية الإنقاذ والمؤتمر الوطني في فصل جنوب السودان وإنشاء قوات الدعم السريع ، فالأزمة أزمة أجيالٍ تشمل الأدبيات والمؤسسات والبيوتات … ومن البليَّات توضيح الواضحات.
*هذا حديث النفس حين تشِفُّ*
*عن بشريتي وتمورُ بعد ثوانِ*
*وتقول لي إن الحياة لغايةٌ*
*أسمى من التصفيق للطغيانِ*
*أنا لستُ أدري هل ستُذكرُ قصَّتي*
*أم سوف يعدوها دُجى النسيانِ*
*أو أنّني سأكونُ في تاريخنا*
*متآمراً .. أم هادم الأوثانِ*
*كل الذي أدريه أن تجرُّعي*
*كأس المذلَّةِ ليس في إمكاني*
*أهوى الحياة كريمةً لا قيد*
*لا إرهاب لا استخفاف بالإنسان*
*فإذا سقطتُ سقطتُ أحمل عزَّتي*
*يجري دم الأحرارِ في شرياني*
*لكِن إذا انتصر الضياء ومُزِّقت*
*بيدِ الشبابِ شريعة القرصانِ*
*فلسوف يذكُرُني ويُكبِرُ هِمَّتي*
*من كان في بلدي حليف هوانِ*
*فإلى لقاءٍ تحت ظِلِّ عدالةٍ*
*قِدِّيسة الأحكامِ والميزانِ
مصدر الخبر