السياسة السودانية

انقلاب السودان: وأد التعاون مع تركيا وأجهض النهضة المنتظرة

عادل إبراهيم مصطفى

في 25 تشرين الأول – أكتوبر 2021، شهد السودان انقلابا عسكريا أجهض أحلام الشعب في بناء دولة تنعم بالحرية والسلام والعدالة. لم يكن هذا الانقلاب مجرد انقلاب على الثورة التي أطاحت بنظام عمر البشير، بل كان انقلابا على مستقبل السودان ذاته، على علاقاته الدولية، وعلى المشاريع الكبرى التي كانت تُبنى بشق الأنفس لتؤسس لنقلة نوعية في حياة السودانيين.

من أبرز هذه الخسائر كانت العلاقات السودانية – التركية التي شهدت تطورا ملحوظا في ظل حكومة الثورة. فقد كان السودان وتركيا على أعتاب شراكة إستراتيجية شاملة تتضمن مشروعات طموحة في مجالات الزراعة والتعدين والبنية التحتية والصحة. لكن الانقلاب أوقف زيارتين مفصليتين كانتا مقررتين في أواخر عام 2021؛ الأولى لرئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك إلى تركيا، والثانية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى السودان. هاتان الزيارتان كانتا تحملان في طياتهما العديد من الاتفاقيات والمشاريع التي كان من شأنها أن تُحدث تحولا جذريا في الاقتصاد السوداني وتخلق فرصا تنموية ضخمة.

كان من بين هذه المشاريع مشروع بناء مطار الخرطوم الدولي الجديد بتمويل تركي، وهو مشروع كان سيعزز حركة التجارة والسياحة والاستثمار. كما تضمنت الخطط نقل تجربة بلدية أنقرة في مجال معالجة النفايات وتطوير إدارة المدن إلى الخرطوم، بالإضافة إلى مشاريع لترميم الآثار السودانية وتعزيز الهوية الوطنية من خلال التعاون الثقافي.

في المجال الصحي، كانت هناك فرصة لإعادة تفعيل بروتوكول التعاون الموقّع بين السودان وتركيا منذ عام 2007، والذي يتيح علاج المرضى السودانيين في المستشفيات التركية مجانا، خصوصا مرضى القلب والأورام والكلى. كما تم التوصل إلى اتفاقيات بشأن تطوير قطاع الطوارئ داخل السودان والاستثمار في الصناعات الدوائية. كل هذه المبادرات توقفت نتيجة الانقلاب، تاركة السودانيين محرومين من فوائدها المباشرة.

أما في قطاع الثروة الحيوانية، فزيارة وزير الثروة الحيوانية السوداني إلى تركيا كانت قد أسفرت عن توقيع اتفاقيات لبناء مسالخ حديثة وتأهيل مراكز التلقيح الصناعي، مما كان سيُسهم في تحسين جودة الإنتاج الحيواني وزيادة الصادرات. لكن مع الانقلاب، تعطلت هذه الاتفاقيات، وضاعت فرصة تحقيق عائدات اقتصادية كبيرة وتحقيق الأمن الغذائي للسودان.

لم يقتصر تأثير الانقلاب على العلاقات مع تركيا فقط، بل امتد ليشمل جميع المكاسب التي حققتها حكومة الثورة. فقد عاد السودان إلى عزلته الدولية بعد أن كان قد خرج منها بفضل جهود حكومته المدنية، وأصبح غير قادر على استقطاب الاستثمارات أو الحصول على التمويلات الدولية التي كانت تُبشر بنهضة اقتصادية. توقفت الإصلاحات الاقتصادية التي بدأت تؤتي ثمارها في تحسين ميزان المدفوعات واستقرار العملة الوطنية.

كانت هذه الضربات موجعة للسودان وشعبه، لكنها كانت بداية لمسار أكثر ظلاما. فالانقلاب لم يكتف بتعطيل المشروعات والخطط، بل قاد البلاد نحو حرب أهلية مدمرة أحالتها إلى ركام وأثقلت كاهل الشعب بمرارات يومية. كان بإمكان السودان أن يستفيد من تعاونه مع تركيا وشركائه الدوليين لتحقيق نهضة شاملة، لكن الانقلاب أجهض هذه الفرص وأعاد البلاد عقودا إلى الوراء، ليصبح المستقبل رهينة لحرب وصراعات عبثية.

إن ما حدث ليس مجرد حدث عابر في تاريخ السودان، بل هو كارثة شاملة أغلقت أبواب الأمل وفتحت أبواب المعاناة. الشعب السوداني اليوم يقف أمام تحد وجودي يتطلب إرادة جماعية قوية لإعادة بناء ما دمره الانقلاب واستعادة مسار التنمية والسلام.

——————————-
سفير السودان فى تركيا الذى أقيل بعد إنقلاب 25 إكتوبر 2021


المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى