السياسة السودانية

القوى السياسية السودانية.. ضرورة توافق جناحا “قحت” المركزي والديمقراطي

بعد نحو أربعة اشهر من الدمار والخراب الذي شهده السودان الأرض والبنى التحتية، وتشريد المواطنين والانتهاكات الفظيعة التي ارتكبت ضد المدنيين ,في ظل عدم وجود أي افق للحل، بات من المهم ان تتجه كل القوى السياسية والمنظمات المدنية في النظر بعمق بعيدا عن أي معطيات عاطفية او اجترار خيبات الماضي وابتدار رؤية عملية في تكوين جبهة عريضة للمدنيين ليس بصيغة الشعارات ولا الارادات التي لا تتحرك الا وفق بوصلة الخارج ومصالحها.

ولا شك ان النخب السياسية السودانية وكما وصفها المخضرم الراحل المقيم الأستاذ منصور خالد ,طيب الله ثراه , بانها مدمنة للفشل وتتخللها انتهازية مستشرية لطالما وأدت كل الثورات الناجحة التي خضبها الشباب بدمائهم وقدموا ارواحهم مهرا من اجلها ,وطرح تساؤله الملح عن متى تختفي الانتهازية التي تعقب نجاح الثورات في السودان.

وهي سمة ظلت متلازمة للقوى السياسية السودانية وفي كل الثورات الناجحة التي خاضها شعبنا الابي ,تعثرت بتقذم هامات النخب السياسية وفشلها المستمر فى وضع خارطة ولو على الحد الأدنى في مراحل الانتقال من أجل “التوافق” على أقل تقدير حول كيفية حكم السودان، حيث لم تستفد هذه النخب من الدعم الشعبي الكبير والملاحم التاريخية الرائعة التب سجلتها جماهير الشعب السوداني ,خاصة الشباب والطلاب حيث كانت انتفاضة21 أكتوبر 1964, كأول ثورة شعبية أطاحت بالحكم العسكري مرورا بانتفاضة أبريل 1985، ثم أخيرا ثورة ديسمبر 2018, فالقاسم المشترك بين هذه المراحل الهامة هو التعامل الهزيل والانتهازية المفرطة للنخب السياسية مع الواقع الجديد الذي خلقه الشعب السوداني عقب تلكم الثورات، حيث شكلت هذه اللحظات التاريخية منعطفات هامة كان من الممكن لهذه النخب السياسية الاستفادة منها , لكنها سرعان ما عادت الى ” عادتها القديمة” فطفقت تغازل العسكر تسبهم بالنهار وتسهر الليالي روحة وجيئة بين دور العسكر, فكانت الوثيقة الدستورية المعيبة والتي أسست لهذه الحرب التي تحرق كل جميل في وطننا اليوم.

وكأن التاريخ يعيد نفسه ، فقد برزت في الواجهة “نخب” انتهازية ساهمت بشكل كبير في إجهاض الفترة الانتقالية بتهافتها نحو السلطة وتمكين احزابها واغفلت الإجابة على أهم التساؤلات الموضوعية التي دائما يفشل في الإجابة عليها النخب السياسية وتعيد وتكرار ذات الأخطاء,حيث أصبحت الشعارات الرنانة التي كانت ترفع عاليا من القوى السياسية المدنية ذات الصوت العالي وهي تحاول الاجابة على سؤال كيف يحكم السودان؟ وهو السؤال المفتاحي في استقرار السودان وتخطي كافة العقبات التي اقعدت هذا الوطن الغني بثرواته البشرية والطبيعية ,من خلال رؤية طرحتها تلك القوى فيما سمي وقتها ببرنامج البديل الديمقراطي الذي يحدد معالم العمل السياسي لإسقاط النظام واقامة بديل وطني مستقل يعبر عن تطلعات الشعب السوداني في إحداث تغيير جذري يقود الي قيام سلطة وطنية انتقالية تحدد فترتها الزمنية ،وتشارك فيها كل القوى الوطنية ،ومنظمات المجتمع المدني يؤسس لمؤتمرات متخصصة جامعة تناقش الازمة السودانية يمهد فيما بعد لعقد المؤتمر الدستوري الذي لطالما تغنى به القوى السودانية لكنها بكل اسف خفتت تلك الأصواتبمجرد سقوط النظام وعلت أصوات التمكين والمحاصصة التي لم تراعي ادنى شروط الانتقال الذي يحتم وجود وفاق عريض دون اقصاء لاحد بحيث كل مكونات التراب السوداني يرى نفسه في عملية الانتقال مساهمة ومشاركة فاعلة ,واتفاق في الهدف وهو انتقال سلس يؤسس لأجهزة مدنية مهنية تضع اللبنات القوية لقيام انتخابات حرة نزيهة يفوض الشعب من يراه جدير بالأمانة.

لا يختلف اثنان يتسمان بالموضوعية والمسؤولية ان احدى رافعات هذه الحرب ومن اسبابها العديدة هي تباينات وخلافات المدنيين ليس في ذلك شك ,فضلا عن الخطابات الفجة والرسائل التي تفتقد لأدنى درجات اللباقة التي كان يتبادلها فرقاء الساحة السياسية السودانية سيما جناحي قوى الحرية والتغيير والتي تسنمت وتصدرت مشهد الثورة السودانية وفشلت في ان تتحمل المسؤولية التي منحتها إياه جماهير نساء وشباب وبنات السودان بعد انجاز عملية اسقاط النظام ,’وهي عملية كانت تتوفر لها كل أسباب النجاح حيث كانت ثورة محروسة بشبابها الثائر لكن تلك الثورية وذلك العنفوان اصطدمت بذات العقليات وهي قوى سياسية لا تملك افقا ولا رؤية وهو ما صرح به رئيس وزراء الثورة وبحسرة ومن منصة خارج الوطن, ولكن من غير الموضوعي الان اجترار الماضي وغير مناسب البحث فيها ولا شك ان هذه الحرب نتاج لمرض عضال تعانيه الدولة السودانية ومكوناتها السياسية وبالتالي اليوم نحن معنيون بمعالجة افرزات واثار ذلك الداء باعتبار ان البحث عن علاج المرض في ظل انهيار البلد بأكمله وانحداره نحو جحيم التلاشي اعتقد انه ضرب من العبث ,وبالتالي نحن معنيون اليوم بمعالجة نتائج تلك الخيبات بوقف هذه الحرب باي شكل وباي وسيلة ممكنة ومن ثم النظر في معالجة المرض.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه هل نحن بدرجة من القدرة والأهلية في ان نبتدر مشاريع ورؤى عملية نستطيع من خلالها ان نصنع جبهة عريضة حقيقية و نمسك بزمام المبادرة وان نضع خلفنا كل أسباب الخلافات جانبا ونسعى لخلق جبهة عريضة لمجابهة الحرب ودعاته ؟؟

في الخامس من يويو 2023 اختتم جناحا تحالف الحرية والتغيير اجتماعات بالقاهرة واصدر كلا الجناحين بيانا, وكلا البيانين ربما حملا ذات المضامين التي اكدت على ضرورة توحيد المواقف والجهود وبناء جبهة وطنية عريضة لإنهاء الحرب الدائرة بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع”، وحشد الجهود الوطنية والإقليمية والدولية وإعادة إعمار ما دمرته الحرب , حسنا ههذ الخطوة انت تظل القوى المدنية تستشعر مسؤوليتها في انهاء هذه الحرب وانها تشعر بالألم الذي يعانيه المدنيين العزل التي احتلت بيوتهم ونهبت ممتلكاتهم وروعتهم ازيز الطائرات ودوي المدافع .

لكن من غير المعقول الا تستفيد هذه القوى من اخطائها وتظل أسيرة وحبيسة لتصوراتها ومرض الاناء والذاتية التي تعاني منها, كنت أتوقع حتى ان عقدت هذه الاجتماعات منفصلة ان تنتج هذه الاجتماعات لجان للتواصل مع القوى ذات الصوت العالي لدرجة التمهيد للحرب , هذه حقيقة يجب ان يواجهه جناحي الحرية والتغيير بشجاعة والشجاعة التي اعنيها هي ان تلتقي معا وان يعي الحرية التغيير المركزي ان تقسيم القوى السياسية لدرجة أولى وثانية وثالثة لا تستقيم ونتائجها لا تكون غير الحرب مهما اختلفت الازمان والوقائع , اعني استمرار خطاب ما قبل 15 ابريل بذات الذهنية هو خطاب عبثي لا يرجى منه أي اثر نحو إيقاف الحرب.

ان وقف الحرب ضرورة , ولكن مفتاح الحل ليس بجدة ولا اديس ابابا ولا نيروبي وانجمينا ولا القاهرة , ولا بيد العسكر !! وواهم من يتصور ان هؤلاء الجنرالات سيوقفون هذه الحرب دون ضغط شعبي مدني موضوعي مؤثر, هذه الموضوعية والتأثير تصنعه مشاركة الجماهير في الداخل السوداني ومع من تقتلهم هذه الحرب ليل نهار, جهود المجتمع الإقليمي والدولي مهم ولكن دون توفر إرادة وطنية جامعة لاهل السودان بمختلف مكوناتهم لا تنتج أي موقف ذات جدوى واي نشاط يجرجر خيبات الماضي وخطاباتها ومواقفها ستبعد السودان عن السلام بقدر ارتفاع تلك الأصوات ,يجب ان نتفق ان جميع القوى الفاعلة في السودان مسؤولة عن قيام هذه الحرب وفي غرق هذه السفينة علو او نزلوا وتظل تلك المسؤولية بقدر ,ولكن الجميع سواء كان بالأفعال او بالتماهي او السكوت مساهمون في جريمة الحرب وبالتالي يجب ان نعمل جميعا لوقف هذه الحرب , ولكن قبل ذلك يجب تتحرر القوى السياسية السودانية والمدنية من خيبات الماضي ومن انعدام المبادرة و انتظار الحل من الخارج الذي يقولب أي حل وفق مصالحه.

ان وقف الحرب يجب ان تكون بإرادة وصناعة وطنية خالصة ,والا ان أي عملية سياسية او امنية يتم وفق املاءات او وفق وصفات خارجية سوف لن تصمد في ظل التقاطعات الكبيرة في مواقف القوى المدنية والأهلية والسياسية في السودان , خاصة بعد الفظائع والانتهاكات التي ارتكبت والتي ساهمت في تغيير اتجاهات الكثيرين وحولت اتجاهاتهم وإصطفافاتهم وميولهم وبالتالي مراعاة هذا الواقع والخارطة الجديدة كليا التي ستفرزها هذه الحرب , من المهم استصحابها في أي عملية سياسية قادمة والتي لا يمكن ان نتحدث عنها قبل وقف هذه الحرب , ووقف هذه الحرب لا يمكن ايقافها بالأدوات والخطابات والمواقف التي كانت قبل 15 ابريل.

بقلم : حسن إبراهيم فضل

نائب أمين الاعلام – حركة العدل والمساواة السودانية


مصدر الخبر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى