العملية السياسية في السودان تدخل مرحلة حاسمة تتطلب مشاركة واسعة
كتبه
محمد بلعيش، سفير الاتحاد الأفريقي في السودان
فولكر بيرتس، ممثل الأمم المتحدة الخاص للأمين العام للسودان
إسماعيل وايس، المبعوث الخاص للهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيقاد)
دخلت العملية السياسية مرحلة جديدة وحاسمة بعد توقيع الاتفاق السياسي الإطاري بين عدد كبير من أصحاب المصلحة السودانيين في 5 ديسمبر 2022. نجحت المرحلة الأولى -بفضل الجهود السودانية المقتدرة- في التأسيس لعملية حوار سلمي يعلو فيه صوت المنطق ويخفُت فيه صوت العنف بهدف التوصل لحلٍّ سياسي يصنعهُ السودانيون، حل ينهي إنقلاب 25 أكتوبر 2021 بشكلٍ فعّال ويضمن العودة لمرحلة انتقالية يقودها المدنيون نحو السلام والديمقراطية في السودان. تُركّز المرحلة الثانية على قضايا وطنية مهمة ترتبط باستقرار المرحلة الانتقالية في السودان. عملية تشكيل حكومة مدنية ذات مصداقية سيعقُب تحقيق توافق مقبول حول هذه القضايا الأساسية وصولًا لاتفاق سياسي نهائي وترتيبات دستورية جديدة.
تقوم الآلية الثلاثية في هذه المرحلة بدور المُيسر من خلال تقديم الدعم الفني والاقتراحات لأصحاب المصلحة المختلفين وإتاحة النقاش فيما بينهم. ذلك لا يقتصر على الموقعين على الاتفاق الإطاري، بل يشمل مشاركة القوى الثورية الرئيسية التي أبدت تحفظات على الاتفاق الإطاري لأن آراءهم ضرورية ومهمة في هذا النقاش لضمان تنفيذ واستدامة الاتفاق الناتج عن العملية السياسية. إن موقف الرفض القاطع الذي تتخذه بعض القوى الثورية في السودان ضد الاتفاق الإطاري يجب أن يدفع القوى المؤيدة للديمقراطية للعمل بجهد أكبر لإشراك هذه الأصوات المُشككة وضمان مشاركتهم في تطوير اتفاق على أساس توافقي لتجاوز هذه التحفظات، فالغاية المشتركة في النهاية هي تشكيل حكومة مدنية والتأسيس لحكم ديمقراطي. إن عملية التغيير والانتقال نحو الديمقراطية في السودان هي عملية تدريجية ولن تحقق كل أهدافها بين ليلةٍ وضحاها. قد تختلف القوى التي تريد إقامة الديمقراطية في السودان حول أفضل الطرق لتحقيق هذه الغاية لكن ما يجمعها يفوق بكثير ما قد يفرقّها. لا تملك أي جهة في هذه المرحلة من العملية السياسية الحق في احتكار المساعي المؤيدة للديمقراطية والتغيير، فالجميع لديهم الحق في المشاركة والمساهمة في تشكيل مستقبل الديمقراطية في السودان. لذا، ستتواصل جهود الآلية الثلاثية في العمل لإشراك كافة القوى الوطنية الحريصة على التحول الديمقراطي المدني في البلاد للمشاركة في ورش العمل والمؤتمرات التي تنعقد في الوقت الحالي حول خمس قضايا رئيسية: تفكيك النظام السابق، وإصلاح القطاع الأمني، والعدالة والعدالة الانتقالية، وتنفيذ اتفاق جوبا للسلام، ومسألة شرق السودان. ستوفر التوصيات الناتجة عن ورش العمل هذه مضمونًا غنيًّا للمرحلة التالية التي ستتضمن مفاوضات مباشرة بين أصحاب المصلحة المختلفين لإبرام اتفاق نهائي، إذ لا يمكن قصر قضايا مثل بناء جيش سوداني مهني واحد أو العدالة الانتقالية أو التخطيط للتنفيذ الفعلي لاتفاق جوبا للسلام على الأرض؛ فقط على الموقعين على الاتفاق الإطاري، بل يتطلب الأمر مشاركة واسعة من المواطنين المتضررين ومن المجتمع المدني والنساء والأكاديميين والفاعلين السياسيين الآخرين. ستعمل الآلية الثلاثية على ضمان مشاركة ستين بالمائة من غير الموقعين على الاتفاق الإطاري من المعسكر الثوري في كافة الأنشطة ذات الصلة وفق ما تم توضحيه في المؤتمر الأول حول تفكيك نظام 30 يونيو.
تواصل الآلية الثلاثية التنسيق المُحكم مع المجتمع الدولي لدعم الشعب السوداني في تحقيق هذه الأهداف. إن الاتفاق النهائي المبني على الأسس المذكورة أعلاه والذي يقود للعودة للحكم المدني وتشكيل حكومة انتقالية مدنية جديدة سيضمن استعادة السودان لكامل علاقاته مع المجتمع الدولي وكافة المنافع المترتبة على ذلك لمواطنيه، وفي مقدمتها: المزيد من الاستقرار، والأمن، والتعاون الدولي، والمزيد من الفرص الاقتصادية.
نحن في الآلية الثلاثية نأمل أن تعمل جميع الأطراف التي تسعى لتحقيق تحول ديمقراطي يقوده المدنيون على الإسراع في استكمال هذه المراحل والتوصل لحل سوداني – سوداني يحظى بقبول ومشاركة أكبر أغلبية ممكنة بغية تشكيل حكومة انتقالية لإدارة ما تبقى من الفترة الانتقالية. سنواصل دعمنا لهذه العملية السياسية سودانية الهوية، وسنبقى إلى جانب السودانيين للعمل يدًا بيد للتوصل لتسوية نهائية تُنهي هذا الفصل المظلم، وتستعيد المسار نحو الحرية والسلام والعدالة للجميع.
المصدر