السودان يستقبل عام 2025 مع استمرار الحرب وأزمة إنسانية في طي النسيان
أديس أبابا 31 ديسمبر 2024 – خلف الصراع الدامي بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع عواقب كارثية، حيث توقفت الحياة بكل أشكالها في البلاد وأصبح السودانيون يعيشون في جحيم مع حلول عام 2025، مما يثير المخاوف من استمرار القتال لعام آخر وطي النسيان للأزمة الإنسانية.
وصَنعَ الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ منتصف أبريل 2023، أي نحو 20 شهراً، أزمة وقسوة لا تطاق ومشاهد وحشية، وسط تحذيرات من تعرض الملايين لخطر المجاعة، في أكبر أزمة جوع في العالم، فيما ينتشر العنف الجنسي، والمرافق التعليمية والصحية في حالة خراب، كما تنتشر الكوليرا وأمراض أخرى.
وتُشير تقديرات أممية ومنظمات إلى مقتل نحو 10 آلاف شخص وإصابة عشرات الآلاف وتشريد ما لا يقل عن مليون شخص هربوا بحياتهم إلى تشاد من دارفور وحدها. ومع ذلك، وفي حين لم تتضح الأرقام الحقيقية تشير تقديرات كذلك إلى مقتل أكثر من 150 ألف سوداني خلال 20 شهرا من القتال في مختلف أنحاء البلاد، بينما تؤكد تقارير أممية ودولية استخدام العنف والتعذيب والاعتقال التعسفي والاغتصاب والغذاء ضد المدنيين من قبل طرفي القتال.
ودعَا خبراء من الأمم المتحدة، في تقرير حديث، إلى “نشر قوة مستقلة ومحايدة من دون تأخير” في السودان، بهدف حماية المدنيين في مواجهة الفظائع التي يرتكبها الطرفان المتحاربان.
وحوت تقارير مفصلة تسجيل 36 وفاة كل ساعة في السودان بمعدل 875 يوميا جراء الحرب مما يؤكد أنّ عدد الوفيات وصل إلى أرقام كبيرة، في وقت لم يتم حساب القتلى من العسكريين حيث يتكتم الطرفان عليها.
وأثبتتَ تقارير الخبراء المعنيين بالسودان أنّ الجيش السوداني والدعم السريع، إلى جانب حلفائهما، “مسؤولون عن انتهاكات واسعة النطاق، بما في ذلك هجمات مباشرة وعشوائية تمثّلت في غارات جوية، وقصف ضدّ مدنيين ومدارس ومستشفيات وشبكات اتصالات وإمدادات حيوية من الماء والكهرباء”.
وفي يوليو الماضي، أعلن المدعي العام للمحكمة الجنائيّة الدوليّة أنّ مكتبه بصدد التحقيق في الفظائع الأخيرة في دارفور كجزء من تحقيقاته الجارية في الإقليم، ما يُبرز خطورة الانتهاكات الجارية.
وكذلك استهدف الطرفان المتحاربان المدنيين “عبر ارتكاب عمليات اغتصاب، وغيرها من أشكال العنف الجنسي، وتوقيفات وعمليات احتجاز تعسفية، فضلاً عن التعذيب، وسوء المعاملة”. وأوضح تقرير الخبراء أنّ الطرفين ارتكبا ما يكفي من الانتهاكات التي تشكّل جرائم حرب.
والشهر الماضي، كشف مختبر البحوث الإنسانية في جامعة بيل الأميركية عن تمدد كبير في مواقع المقابر بشرق ولاية الجزيرة، وسط السودان، وذلك يؤكد ارتكاب قوات الدعم السريع فظائع جماعية ضد المدنيين.
وتمدَّدَت المقابر في كافة الولايات التي تشهد مواجهات مباشرة بين الطرفين في العاصمة الخرطوم والجزيرة وسنار وولايات دارفور وأجزاء واسعة من كردفان.
وتقول الأمم المتحدة إنّ ما لا يقلّ عن 19 عامل إغاثة قتلوا، واستُهدف أيضا العاملون في مجال الرعاية الصحيّة المجتمعيّة وشبكات الدعم السودانية.
وكان العام 2024 هو الأكثر دموية على الإطلاق بالنسبة لعمال الإغاثة في السودان حيث قتل 3 موظفين في غارة جوية مؤخرا في إقليم النيل الأزرق.
النازحون واللاجئون
ومنذ أبريل 2023، نزح أكثر من 12 مليون شخص في السودان، بما في ذلك أكثر من 3 ملايين شخص لجأوا إلى البلدان المجاورة، مما يجعل الأزمة واحدة من أكبر أزمات النزوح وأكثرها إلحاحا في العالم بحسب تقرير أممي حديث.
ويمَثِّل النازحون مع تضاءل فرص العمل والسياسات التي تتبعها حكومات الولايات الآمنة ضدهم مأساة أخرى تضاف إلى واقعهم الكارثي وفقدانهم لكل شئ بسبب الحرب.
كما يواجه النازحون ظروفًا معيشية قاسية تتمثل في غلاء ايجار العقارات ومنع اقامة مخيمات لهم من قبل السلطة في بورتسودان بجانب التضييق والمنع الذي يمارسه الطرفان ضد إيصال المساعدات الإنسانية.
وحذرت الأمم المتحدة من بلوغ عدد اللاجئين بسبب الحرب المدمرة رقما قياسيا عام 2024 وتخطى عتبة الثلاثة ملايين شخص.
ويواجه اللاجئون السودانيون في دول الجوار مشاكل وعقبات مختلفة وتضييق من حكومات تلك الدول، فيما تفرض دولا رسوما باهظة على الإقامة والمخالفات بسبب السياسات التي تتبعها ضدها حكومة السودان والاتهامات لها بدعم قوات الدعم السريع أو ما تسميه التدخل في الشؤون السودانية.
ووفقاً للأمم المتحدة، فإنه حتى بداية أغسطس الفائت، فرّ قرابة مليون شخص من السودان إلى مصر وتشاد وإثيوبيا وجنوب السودان ودول أخرى منذ أبريل 2023، ويُشكلّ المواطنون السودانيون ثلثي هذا العدد. أمّا البقيّة فكانوا من مواطني جنوب السودان، بالإضافة إلى لاجئين وطالبي لجوء، بما في ذلك من إريتريا وأثيوبيا.
تدمير البنية التحتية
وتسبب القتال المدمر بين الجيش والدعم السريع منذ 20 شهرا في تدمير البنى التحتية التي تأتي في آخر أولويات التزامات القوى المتصارعة والجنود حيث تدمر الغارات الجوية والقصف المدفعي المنشآت الحيوية في البلاد.
وفي ولاية الخرطوم تشير تقديرات ومصادر تحدثت إلى سودان تربيون إلى تدمير أكثر من 60 ألف مبنى مختلف الغرض، بنسبة خسائر تتراوح بين 100 – 130 مليار دولار بالبنية التحتية والمنشآت العامة المدمرة.
كما تآكلت العملة الوطنية بشكل كبير حيث يجري تداول الدولار الواحد حاليا بحوالي 2500 جنيه مقارنة مع 600 جنيها قبل اندلاع الحرب، وفي المقابل قامت السلطات في بورتسودان بتغيير العملة في الولايات التي تسيطر عليها بدءا من 10 ديسمبر.
وبعَد اندلاع القتال فقد السودان 70% من إنتاج الكهرباء، وتعرضت أكثر 65% من المدارس للتدمير، فضلا عن تدمير 50% من الأسواق الرئيسية في المدن، ونالت المنازل النصيب الأكبر من الدمار والسرقة والنهب وفق تقديرات خبراء اقتصاديون لسودان تربيون.
وصَنِعَ الدمار الشامل بالقطاع الصحي الأكثر تضررا انهيارا كاملا وفق اعلانات منظمة الصحة العالمية والمنظمات واللجان الطبية السودانية التي أكدت انهيار القطاع بالكامل مع تدمير 80% من المستشفيات كلياً.
وقَدَر خبراء في القطاع الصناعي لسودان تربيون تدمير أكثر 1300 مصنع في البلاد أغلبها في ولاية الخرطوم التي تضم أكثر من 700 مصنع دمُر منها نحو 400 مصنع بحسب اتحاد أصحاب العمل السوداني.
وتَعرَّضت الطرق ومواقف المواصلات وكوابل توصيل الكهرباء إلى تدمير شديد بسبب الاشتباكات المتواصلة بين القوات المختلفة مع انقطاع شامل للكهرباء والمياه في تلك المناطق.
وتَلقّى القطاع المصرفي ضربة قاتلة بخروج أكثر من من 70% من فروع البنوك العاملة في البلاد والبالغ عددها 39 مصرفا حكوميا وتجاريا، وتعرضت البنوك في ولايات الخرطوم والجزيرة وسنار ودارفور وأجزاء واسعة في كردفان لعمليات نهب كاملة فقدت على أثرها أموال طائلة غير معروفة حتى الآن.
فرص السلام
وفي يونيو الماضي فرضت الولايات المتحدة عقوبات على ثلاث شركات سودانيّة وأخرى إماراتيّة خاصّة. وبعد شهر تقريبا، فرضت المملكة المتحدة عقوبات مماثلة على كيانات تجاريّة مرتبطة بالقوات المسلّحة السودانيّة وقوات الدعم السريع.
وفي سبتمبر الماضي، فرضت وزارة الخزانة الأمريكيّة عقوبات على عبد الرحيم حمدان دقلو، وهو قائد بارز في قوات الدعم السريع وشقيق محمد حمدان دقلو، زعيم هذه القوات. بالإضافة إلى ذلك، فرضت وزارة الخارجيّة قيودا على التأشيرة على عبد الرحمن جمعة، أحد قادة قوات الدعم السريع في ولاية غرب دارفور. كانت هذه أوّل مرّة تُفرض فيها عقوبات فرديّة في النزاع الحالي.
وتَأتّي تلك العقوبات في محاولة من المجتمع الدولي لوقف الحرب في السودان لكن عددا من المراقبين يعتبرونها بلا جدوى لجهة أن منع التأشيرات لا يحد من قدرة المتحاربين على توسيع القتال والتزود بالأسلحة.
وأكَد المبعوث الأمريكي الخاص للسودان توم بيريلو، في مقابلة خلال شهر أكتوبر المنصرم مع سودان تربيون أن الولايات المتحدة تشعر بالقلق إزاء المشاكل أو الكوارث التي تواجه المدنيين في السودان، وشدد على “أن حجم الألم والخوف الذي أصاب السودانيين غير مقبول من الجميع وفقاً لأي معيار دولي”.
وأردف: “الولايات المتحدة وضعت بعض الحظر على الجهات والأفراد لكي تصعب العملية عليهم، وتواصل توسيع الحظر على تلك الشركات والأفراد للضغط على مرتكبي هذه الفظائع”.
رُقعة القتال
ومع استمرار الصراع بلا توقف بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، توسعت رقعة القتال الذي بدأ في الخرطوم ومروي لينتقل إلى 12 ولاية أخرى هي النيل الأبيض والنيل الأزرق وولايات دارفور وكردفان وسنار والجزيرة وتخوم القضارف.
وتَتغيرَ باستمرار مناطق السيطرة بين الطرفين إذ بدأ الجيش يتقدم في ولاية الخرطوم بمدينتي الخرطوم بحري وأم درمان، بينما حافظت قوات الدعم السريع على سيطرتها على مدينة الخرطوم.
ويُسيْطر الجيش على ولايات: البحر الأحمر والقضارف وكسلا ونهر النيل والشمالية ومعظم النيل الأبيض والنيل الأزرق وسنار فيما يتقاسم السيطرة مع الدعم السريع على ولايات: كردفان وشمال دارفور والخرطوم والجزيرة اللتين يقع الجزء الأكبر تحت سيطرة الدعم السريع.
تفشي المجاعة والأوبئة
وفي منتصف أغسطس الفائت، أعلن وزير الصحة السوداني السبت تفشي وباء الكوليرا في البلاد، حيث هطلت أمطار غزيرة وسط تفاقم أزمات النازحين الهاربين من القتال الدائر بين الجانبين.
وسَيطرَت الأوبئة مثل حمى الضنك والكوليرا وأمراض الملاريا والكلى والقلب على المشهد الدامي حيث تشير تقديرات طبية ومصادر تحدثت مع سودان تربيون إلى وجود 12 ألف مريض بالكلى توفي منهم أكثر من 3 ألاف مريض بالكلى كان أبرزها وفاة جميع مرضى الكلى في مدينة الجنينة في يونيو 2023.
وارتفع عدد الإصابات بالكوليرا إلى 44 ألفا 729 إصابة بينها ألف و205 حالات وفاة، في 11 ولاية من أصل 18 ولاية منذ بدء الوباء في البلاد وفق آخر تقرير لوزارة الصحة السودانية.
وتُشير “اليونسيف” إلى أن الأرقام الرسمية للضحايا تشير إلى أن عدد الأطفال الذين قتلوا في الحرب الدائرة حاليا في السودان يصل إلى 435 طفلاً.
كما تُشير تقارير أممية إلى ولادة 333 ألف طفل في السودان بين أكتوبر وديسمبر. يحتاجون هم وأمهاتهم إلى رعاية خاصة عند الولادة.
وتوَقعت “اليونسيف” أن يعاني حوالي 4 ملايين طفل دون سن الخامسة من سوء التغذية الحاد هذا العام، بما في ذلك 730 ألف طفل من المتوقع أن يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد الذي يهدد حياتهم.
أوهام عسكرية
ورغمَ خطورة الوضع في السودان، كانت الاستجابة الإقليميّة والدوليّة دون المأمول. حتى الآن، لم يتخذ مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أيّ خطوات ملموسة لمعالجة النزاع أو تقييد قدرة الأطراف المتحاربة على الاستمرار في إلحاق الأذى بالمدنيين.
وعبر المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى السودان، رمطان لعمامرة، عن أمله في أن يجلب عام 2025 السلام للشعب السوداني، محذرا من أن غياب الحل السلمي للحرب ستكون له تداعيات خطيرة على البلاد والمنطقة بأكملها.
وقال لعمامرة إنه لا يستطيع الاستسلام لفكرة أن “الذكرى الثانية لاندلاع الصراع ستحل في أبريل دون أن يبذل كل المعنيين – بما في ذلك كل الجهات الفاعلة العالمية والإقليمية المؤثرة – ضغوطا جماعية استثنائية على المتحاربين وأنصارهم لإعطاء فرصة حقيقية للسلام”.
وشدَّد على ضرورة توجيه مثل هذا الضغط إلى “الجهات الأجنبية التي توفر الأسلحة والمعدات التي تغذي الأوهام العسكرية وسوء التقدير لدى الأطراف، على حساب حكمة وقيمة الحل السلمي الذي يحافظ على الوحدة وسلامة الأراضي فضلا عن رفاه السودان وشعبه”.
وأكَد المسؤول الأممي على إرادة المنظمة القوية لعدم ادخار أي جهد في مساعدة الشعب السوداني على إنهاء معاناته وتحقيق الاستقرار والأمن والحكم الديمقراطي والتنمية.
المصدر