السودان.. ميثاق وطني ضروري وممكن
أيهما أجدر للسودان وشعبه، ميثاق وطني جامع، أم ميثاق يعمق الانقسامات؟
لا يختلف اثنان من السودانيين، في السلطة أو خارجها، وفي المكونات الحزبية والمجتمعية والأهلية، حول الحاجة إلى الميثاق الوطني، باعتباره حاضنة تشمل الجميع وتتسع لتنوُّع الرؤى والتوجهات، وتستوعب القوى والتيارات السياسية على مختلف نظمها الداخلية وأفكارها، ما دامت تعمل تحت سقف الوطن، ليكون هذا الميثاق الضامن الأوحد لدستور يستجيب لتطلعات الكل ويحفظ حقوق الجميع ويصونها.
التجربة، التي عاشها السودانيون خلال أكثر من عام مضى، والتوترات بسياقاتها العديدة الشعبية والحكومية، المدنية والعسكرية، أفرزت عددًا من الحقائق:
– الإرادة الشعبية الراغبة في إحداث تغيير فعلي لطبيعة الحكم، بحيث يكون سلطة سياسية مدنية ونواة لتغيير أشمل يطال مؤسسات الدولة كافة، استنادًا إلى دستور يفصل بين السلطات ويحدد مهام ومسؤوليات ووظائف كل منها، بما يحفظ استقلالية كل مؤسسة، لكن هذه الرغبة ظلت معلقة بسبب التناقضات بين قطبي الحكم السابقين، العسكري والمدني، وعدم التجانس في الرؤى والتوجهات والغايات وصولا إلى حركة 25 أكتوبر قبل عام، التي أنهت الشراكة.
– الحقيقة الأخرى، تجلّت بإعلان مجلس السيادة العسكري في يوليو/تموز الماضي تنازله عن المشاركة في الحكم أو اقتسام السلطة مع المكونات المدنية، وألقى الكرة في ملعب الأحزاب المدنية والقوى والتيارات المجتمعية، للعمل على بلورة جسم سياسي موحد يدير المرحلة الانتقالية، التي تؤسس للحكم المستدام، بعد إنجاز دستور وطني عام.
القرار جاء بعد القناعة بضرورة الابتعاد عن المشهد السياسي تجنبا للانتقادات والاتهامات، التي تعرض لها، واختار التحول إلى ضامن لأمن البلاد والعباد وهم يخوضون معاركهم الحزبية والسياسية.
-الحقيقة الثالثة، تمثلت في فشل القوى والتيارات الحزبية والسياسية السودانية خلال عام كامل في بلورة قواسم مشتركة يمكن الركون إليها في إنتاج حوار عام يتقاطع مع مطالب الشارع السوداني، الوطنية والسياسية، ويتجاوز الطروحات الفصائلية الضيقة، ويفتح آفاق التصالح، ويؤسس لمرحلة تغيير جذرية على الصُّعُد كافة.
أمام هذه الحقائق، وبعد المخاض الطويل والعسير على درب الخلاص المنشود، تبرز دعوات انقسام من قبل بعض التيارات التي تريد خلط أوراق أولية صالحة، أو يمكن أن تصلح نسبيا، للبناء عليها، على أمل اختراق حالة الاستعصاء السياسي، التي يمر بها السودان.
أسئلة الواقع الراهن تحتاج إلى إجابات واضحة وصريحة من قبل الجميع، مَن هم في السلطة ومَن هم في المعارضة، بمن فيهم التيارات الشبابية التي تقود التظاهرات، إنها أسئلة وجودية تتعلق بمستقبل الجميع وبمصيرهم.
الفرصة مواتية للاتفاق في السودان مع وجود ثلاثة مقومات، أولها التقاطعات الداخلية عند الهدف الأسمى المتعلق بطبيعة وشكل السلطة المنشودة، وثانيها الآلية الثلاثية الأممية والأفريقية، التي تقوم بدور الوساطة، أما ثالثها فهو الإجماع على تشكيل هيكلية دستورية تحدد ماهية نظام الحكم والمشاركة العادلة فيه بين مكونات البلاد جميعها. الميثاق الوطني ضرورة ملحة قياسا بحجم الأزمة وعمقها وامتداداتها الداخلية والإقليمية.. ضرورة تتقدم على أي طروحات جهوية.
عبد الحميد توفيق
مصدر الخبر