السودان في وحل مؤامرة التقسيم.. “حكومة موازية” ام خطة لتفكيك البلاد عبر حصان طروادة الدعم السريع ؟؟؟
علي ترايو
(الحلقة الاولي)
منذ فجر هذا العام (2025) تصاعدت وتيرة الحديث عن موضوع تكوين “الحكومة الموازية” التي دفعت بها قوات الدعم السريع. يأتي التصعيد الاعلامي لهذا الحديث في ظل مناخ سياسي مكفهر تشتد فيه ضراوة المعارك العسكرية مع ازدياد المأزق السياسي مصحوباً بالازمة الانسانية الخانقة.
هذا اللغط و الضجيج دفع بكثير من مياه ردود الافعال تحت الكباري السياسية مع استقطابات واصطفافات حادة (محلية و اقليمية و دولية) ليأتي اجتماع نيروبي (كينيا) الذي بدأ منذ الثامن عشر من فبراير (2025) ليشكل المحطة المفصلية لانطلاق مؤامرة تقسيم البلاد وسط شد و جذب و توتر (رفضا أو تماهيا) لمشروع تكوين “الحكومة الموازية” و بعد ولادة قيصرية رسي الحال الي توقيع وثيقة سياسية حملت اسم “وثيقة السودان التأسيسي ” ممهورة باسماء ثلة سياسية تحمل بذور فنائها في احشائها.
في سياق استعراضنا للتعقيب علي تطورات هذا الوضع و في تقييم مألاتها ، وحتي تكتمل ملامح ميدان الملعب بما يساعد القارئ من ان يقترب من مغزي الوقائع و المواقف السياسية التي فجرتها لعبة “نيروبي” و كيف ان المسرحية قد حبكت لتجهيز “حصان طروادة الدعم السريع”، لابد لنا ان نرصد جملة من مواقف هذه القوي السياسية و نتوقف علي مؤشرات و دلالات و مألات هذه المواقف لابداء الملاحظات الضرورية حولها و اثارة الأسئلة المحورية المرتبطة بها او المنبثقة منها ، و علي وجه المثال، لماذا و كيف تمثل خدعة “الحكومة الموازية” مجرد “حصان طروادة” لاخفاء الدعم السريع كآليه تفكيك السودان، ماذا قصد من وراء استراتيجية ترويج “مشاركة حمدتي” في “مسرحية نيروبي”، هل يفهم من الموقف المريب لتنظيم “صمود” حول مخرجات “نيروبي” انها لعبة من نوع “توزيع الادوار” مع الدعم السريع، ماذا يعني الموقف الغامض الذي يتخذه الاستاذ عبدالواحد نور ، ما هي تداعيات موقف دولة كينيا الذي ساقها الي “قفص الاتهام” ، ما هو تأثير الخروج الهادر للجماهير في رفضها لفكرة “الحكومة الموازية”، ما هي تداعيات و مألات الهجوم الكاسح علي قيادة الحركة الشعبية ضد موقفها خاصة حول قرارها يتشكيل جيش جديد موحد من قوات الحركة الشعبية و قوات الدعم السريع لانشاء نواة لجيش “السودان الجديد” ، ما هو مغزي اتهام شركاء “وثيقة نيروبي” في مشاركتهم “القانونية” لجرائم الدعم السربع في الابادة الجماعية و في جرائم ضد الانسانية، الي اين ترسي الهزة و الاحتجاج و التمرد في داخل كيان حزب الامة القومي، ما مدي مصداقية موقف الشيخ موسي هلال في دعوته الي وحدة السودان، ما هي مصداقية أو قدرة حزب المؤتمر السوداني في موقفه المتباين من مواقف بقية عناصر تنظيم “صمود” ، و عن ماذا تعني اهمال المراة و غيابها من قيادة “تحالف نيروبي” …الخ. كل ذلك مع ملاحظات و اسئلة اخري كثيرة ذات صله بالموضوع.
🌑 الملاحظة الاولي. (الهدف الاستراتيجي من تكوين “الحكومة الموازية” هو تقسيم السودان باستخدام حصان طروادة الدعم السريع
من المهم ان نلاحظ ان كل الهدف الاستراتيجي من وراء اللهث لتكوين “حكومة موازية” هو استخدامها كأداة تقوم بمهام تقسيم السودان (او بالاحري تمزيقه) و “خنق” اجزائها المنشطرة و حرمانها من الاستقرار و من ثم اخضاعها للأجندة المخفية.
الاداة الرئيسية و المطرقة الضاربة و اليد الطولي هنا في تنفيذ هذا المخطط هو قوات الدعم السريع التي تمثل “حصان طروادة” المخفي داخل “الكارو الخشبي” الذي يتشكل من بقية الملحقات الموقعة علي وثيقة “التأسيس” ، في مقدمتها الحركة الشعبية. و لاضفاء المزيد من التعمية، لابد من اضافة “بهارات سياسية” من شاكلة الشرائح التي يمثلها السادة الهادي ادريس و محمد حسن التعايشي و سليمان صندل و الطاهر حجر و غيرهم.
هذه ليست “لعبة عيال” (باللهجة السودانية) لكنها “استراتيجية جادة” و انه “تمرين سياسي” قصد به “خنق” ما يسمي ب “مثلث حمدي” عن طريق السيطرة علي منبع النيلين: الازرق (عن طريق السيطرة علي منطقة الدمازين) و الابيض (عبر السيطرة علي منطقة الجبلين) بما يضاعف من تداعيات مأزق “سد النهضة” علي السودان.
⚫ الملاحظة الثانية: (الشعب يرفض الفكرة و يصعد من مقاومة “الحكومة الموازية”)
الشاهد في الامر من قرائن الادلة ان الجزء السوداني الذي يراد تقسيمه من قبل دعاة “الحكومة الموازية” يشمل كلا من “السودان الغربي” (الذي يشمل كردفان الشمالي و دارفور) و “السودان الجنوبي” (ألذي يشمل جبال النوبة و النيل الازرق)، و بما ان العمود الفقري للمقاتلين لهذا المشروع يتشكل من ابناء الرزيقات في دارفور (من الذين يمثلهم عبدالرحيم دقلو) و من ابناء المسيرية في كردفان (من الذين يمثلهم الجنرال “فضل الله برمة”) و من ابناء جبال النوبة (من الذين يمثلهم الكمندار عبدالعزيز الحلو) و ابناء النيل الازرق (من الذين يمثلهم الكمندار جوزيف توكا) ، هنا يتضح تماما و منذ الوهلة الاولي استحالة فكرة “التقسيم” و تصبح مثل حالة “الحفر بالظفر” على جلمود صخرة صماء و ذلك لعدة اسباب عملية. علي سبيل المثال (لا الحصر) تجد شراسة رفض الفكرة من قبل المجموعات السكانية الاخري في دارفور و في مقدمتها الرباعي (الفور و الزغاوة و المساليت و البرتي) من الذين يمثلون أكبر سجل للضحايا والنازحين واللاجئين بدارفور و يقودون المقاومة.
● هذا الرفض قد تمظهر كذلك و بشكل جلي في خروج الجماهير في المدن السودانية لادانة “ميثاق الحكومة الموازية”. هذا الخروج الكثيف الذي رحب الجماهير بالجيش و رددوا فيها شعار “وطن واحد و جيش واحد و شعب واحد) في المدن و تحديدا المتأثرة منها بالحرب بشكل مباشر، و علي وجه الدقة في كردفان و دارفور (الرهد و ام روابة و الابيض و كادوقلي و الدنلج و الفاشر) لا يعكس فقط ترحيبا بالجيش و لكنه ايضا يعكس ارتياحا من خروج كابوس قوات الدعم السريع.
🌑 الملاحظة الثالثة: (لعبة نيروبي و صدمة غياب حمدتي و كذبة القنوات العربية و العودة الي جدل “البعاتي”).
منذ الإعلان عن حضور و مشاركة السيد “حمدتي” لاجتماعات نيروبي، كان السؤال المحوري الذي ظل يدور في اذهان الكثير من المراقبين هو “ما حقيقة صحة” ذلك الاعلان !!!
أما بالنسبة لجموع المندوبين (و ان اصابتهم الصدمة والاحباط من عدم حضوره، طبعا باستثناء عبد الرحيم دقلو و قليلون من المحيطين به، فإنهم في غالب الامر قد صدقوا بحضوره و هيئوا وجهزوا انفسهم للإلتقاءبقائد الدعم السريع الذي ظل مختفيا من اعين الجمهور (مثل المهدي المنتظر) طوال هذه الفترة.
من ناحية اخري، فان عدم ظهور السيد “حمدتي” قد زاد من قناعة الكثير من المحللين والمراقبين بأنه (اي السيد حمدتي) لم يعد على قيد الحياة وأن الدعاية الاعلامية الكثيفة التي سبقت الاجتماع (بما في ذلك ما قامت به قناة العربية من تشويش) بوصوله كان بمثابة خداع اعلامي (Media trick) قصد به تهيئة للاجواء و تحضير عملية “الهبوط الناعم” لشقيقه عبدالرحيم دقلو لاستلام إلقيادة السياسية علي نحو سلس في عملية الاحلال و الابدال.
من عجائب مفارقات هذه اللعبة الاعلامية انها قد اعادت الي اذهان الجمهور السوداني تلك “النكتة Joke” السابقة التي إطلقها احد المسؤوليين عن السيد “حمدتي” علي اعتباره شبحا متجسدًا (او البعاتي بلهجة السودانيين) في حالات ظهوره الاعلامي.
⚫ الملاحظة الرابعة: (الصمت المريب لتنظيم “صمود”. هل هو تقاعس ام تواطؤ ام “توزيع للادوار” مع دعاة “الحكومة الموازية”) ؟؟؟
ما يلفت النظر و يثير الدهشة و الريبة هو موقف تنظيم “تقدم” ، الذي اتخذ (“صمود”) اسما جديدا له (و الذي ما زال يراسه الدكتور عبدالله حمدوك).
بالرغم من ان “ميثاق التاسيس” و “دستور التاسيس” هما المقدمة لاعلان “الحكومة الموازية” و ما احدثه التوقيع علي هذه الوثائق من ضجيج اعلامي كثيف و ردود فعل و صدور لبيانات موقف من اللعيبة السياسية المعنية بالازمة السودانية، الا ان تنظيم “صمود” قد لزم صمت القبور و لم يفصح حتي الان (سواء بالتصريح او بالبيان) .
بينما يطرح هذا الصمت المريب أكثر من سؤال، ان كان الامر تقاعس ام تواطؤ ام “توزيع للادوار”. لكن التفسير الارجح هو ان هذا “السكوت” هو بمثابة رضي لما تم و هذا بدوره يعني ان امر “فك الارتباط” الذي حدث بين الجناحين في تنظيم “تقدم” لا يعدو اكثر من كونه مجرد لعبة “للخداع” و “توزيع للادوار” و هذا ما يدخل “صمود” في قفص الاتهام الغليظ و ان هذا التواطؤ هو مجرد تسليم لامر البلاد لقوة متورطة في جرائم حرب في حق ملايين المدنيين و تهدد البلاد بأسرها للتفكيك.
الجدير بالذكر ان حالة التردد والعجز و البرود و حالة السكون عن إتخاذ موقف سياسي واضح من الدعوة الي تكوين “الحكومة الموازية” و الترويج لها أو موقف حازم ضد العناصر الداعية لانشاء “حكومة موازية” في داخل تنظيم “تقدم” كان هو الموقف الاساسي حينما كان التنظيم موحدا.
يحدثني احد القيادات النافذة في تنظيم “تقدم” الذي قال لي ان فكرة تكوين “الحكومة الموازية” قد جاءت متأخرا و بعد “فوات الاوان” خلافا لما طرحوه لهذه الفكرة (الحكومة البديلة) عندما كانت الدعم السريع تسيطر علي العاصمة و منطقة الجزيرة (بما فيها ود مدني). و اضاف يقول “المؤسف ان قوات الدعم السريع قد تعودت علي عادة تفويت الفرص و لذلك تجدها تتخذ الموقف الصحيح في الوقت الخطأ” !!!
في هذا السياق كتب الاستاذ وائل محجوب محمد صالح في مقال له بعنوان “الحياد الزائف” يصف فيه اصحاب “الخطاب المتماهي” مع “الدعم السريع” بأن مؤتمر “الميثاق التأسيسي” الذي انعقد بنيروبي قد اخرج البقية الباقية ممن تدثروا طويلا بشعارات “رفض الحرب” من الذين اختبأوا في معطف القوى المدنية وأضروا بها ضررا فادحا بخطاباتهم المتماهية مع مليشيا الدعم السريع. و يقول ان خروجهم للعلن قد هجروا “الحياد الزائف” (”لا للحرب”) و قد اختاروا بلا مواربة الانحياز لطرفها الأشد دموية وانتهاكات وجرائم حرب وتقديم الاسناد السياسي لها.
● الملاحظة الخامسة: (جرثومة الانقسامات و حالة التناسل الاميبي هي سيدة الموقف).
هنا لم نتحدث عن كامل سيرة الظاهرة “الاميبية” التي ظلت تضرب القوي السياسية منذ ان سطا الاسلاميون علي السلطة في 1989. تلك قصة طويلة مثل “الف ليلة و ليلة” و لم يسع المجال لسردها.
المقصود هنا هي الانشطارات “الاميبية” التي بدأت تضرب الواقع السياسي منذ لحظة “تعويم” فكرة “الحكومة الموازية” التي ابتدعتها و عومتها و ابتدرت الدعوة لها قوات الدعم السريع.
كانت أولي ضربات صاعقة هذا “التعويم” قد وقعت علي فوق راس تنظيم “تقدم” و الذي انشطر “راسيا” الي نصفين. نصفه مع الفكرة و نصفه الاخر الذي تحول الي اسم (“صمود”) قد اصبح يقف ضد الفكرة و لكنه مع ذلك وقف مذهولاً و في حيرة من امره من دون اتخاذ اي موقف صارم حول كيف يتصرف حيال المخاطر التي تشكلها او التحديات التي تطرحها فكرة “الحكومة الموازية” من “تقسيم” للبلاد.
● الملاحظة السادسة: (صدمة “مقاطعة” عبدالواحد محمد نور. ما زال الموقف غامضا)
كانت الدعم السريع وحلفائها يعولون كثيرا و يعملون بلهفة على مشاركة الاستاذ عبد الواحد محمد نور (رئيس حركة تحرير/جيش السودان) و لكنه و بالرغم من تواجده في نيروبي (كينيا) و بالرغم من محاولات الاستجداء عبر السيد “أحمد علي دينار” بالحضور للمشاركة الا انه قد رفض المشاركة. و لكنه ايضا لزم الصمت من دون ان يبدي موقفه للجمهور (سواء بالرفض او بالقبول) لوثيقة “نيروبي” و لكنه “صمت” أقرب بأن يفسر وفقا لقاعدة “السكوت رضى”
● الملاحظة السابعة: (دولة كينيا حشرت نفسها في قفص الاتهام)
لم تنجو الحكومة الكينية من نقد قاسي بسبب استضافتها للاجتماع و قد جاء النقد من السودانيين و الكينيين علي حد سواء.. في نقده لدور الحكومة الكينية فقد كتب الدكتور أمجد فريد (المساعد السابق لرئيس الوزراء عبد الله حمدوك ومستشار البعثة السياسية الخاصة للأمم المتحدة في السودان) مقالا باللغة الانجليزية انتقد فيها الحكومة الكينية لاستضافتها للحدث متهما اياها بالتواطؤ الذي يشوه سمعتها التي اكتسبتها بشق الأنفس كبطل للوحدة والعدالة في أفريقيا بسبب استبدالها لدور تمكين الاستعمار الجديد. يري الدكتور أمجد أن كينيا بموقفها هذا قد قلصت إرثها الغني لتصبح مجرد دمية في يد دولة الإمارات العربية وأداة لطموحاتها الاستعمارية في القارة الأفريقية.
أما ردود الافعال الناقدة و الاحتجاج و الادانة من داخل كينيا نفسها كانت ايضا قوية و قد انهالت من عدة دوائر (الصحافة و برلمانيين و من نشطاء سياسيين). كان نقد الصحافة الكينية لاذعاً و قويا الي درجة ان وصفت صحيفة الاستاندارد (The Standard) لقائد الدعم السريع (حمدتي) بانه جزار و مجرد جنجويدي قاسي القلب يفتقد الي الرحمة و انه يقبع في قائمة العقوبات الامريكية علي اساس ارتكابها للابادة الجماعية و التطهير العرقي و ان الحكومة الكينية بهكذا الموقف تدعم جرائم الحرب و الجرائم ضد الإنسانية.
فضلا عن ذلك فقد غرد عدد من القادة السياسيين و زعماء المعارضة و النشطاء حيث صبوا جام غضبهم علي الرئيس الكيني “وليام روتو” لانه يلعب بالنار علي الامن القومي لكينيا و يعبث بمبدأ حسن الجوار.
أما علي صعيد المستوي الرسمي السوداني، فقد صدرت ردود افعال من احتجاج و تهدبد ضد الحكومة الكينية من بينها حظر عبور الطيران الكيني عبر الاجواء السودانية ووقف الصادرات الكينية.
● الملاحظة الثامنة: (غياب عنصر المرأة و تساؤلات حول ذكورية قيادة تحالف الموقعين)
من الملاحظ ايضا غياب المراة في القائمة التي حملت اسماء التحالف. هذا ما لفت نظر احد المراقبين ليتساؤل قائلا: “شىء محزن لا توجد امرأة واحدة قد وقعت على الميثاق لماذا كل هذه “القيادة الذكورية” ؟؟؟
المصدر