الحكومة الموازية.. نعم.. ولا!! (2)
عبده الحاج
الحكومة الموازية.. مقومات النجاح
تعد الحكومة الموازية إحدى الأدوات السياسية للتنظيمات والحركات المعارضة لتقديم نموذج بديل عن النظام الحكومي القائم، أو للقيام ببعض ادواره، بدون التصادم معه ومنازعته الشرعية والسلطة، وكبقية الأفكار والمفاهيم، فهي تقوم على اهداف معينة، وخطط، ووسائل واليات لتنفيذ تلك الخطط وتحقيق تلك الأهداف، كما ان نجاح كل ذلك يعتمد بصورة كبيرة على مقومات رئيسية لابد لها من ان تتوفر، لتجعل الفكرة قابلة للتنفيذ العملي، ويكتب لها النجاح، فليس كل من فكر في إقامة حكومة موازية بقادر على تحقيق ذلك، الا ان توفرت له كل المقومات، ومع ذلك فان نجاح الفكرة غير مضمون، وسيواجه بالعديد من التحديات والمصاعب، وسننظر في كل ذلك، وسنخصص هذه الحلقة لمقومات النجاح الاساسية.
لابد لاي فكرة من رؤية استراتيجية شاملة، واهداف محددة، قصيرة، وبعيدة المدى، كما لا بد لها من خطط واضحة، وقابلة للتنفيذ لتحقيق تلك الأهداف.. وبدون ذلك تصبح تلك الفكرة مجرد شعارات او حلم غير قابل للتطبيق على ارض الواقع.. ولتكون الأهداف والخطط فعالة وواقعية، لابد من الاستعانة بالخبراء والمختصين، من أصحاب التجارب، فان موضوع الحكومة الموازية من الخطورة بمكان، بحيث لا يجب ان يتخذ فيه القرار على عجل بدون توفر كل الضمانات، لان نتائجه العكسية قد تكون باهظة الثمن، فان كان لابد من ذلك المسلك، فيجب ان نعد له العدة، ونحسب كل الحسابات بما فيها نسبة النجاح والفشل، والخيارات البديلة، فان رجحت كفة الحكومة الموازية، فلابد من ان تنبني على استراتيجية واضحة، وليس مجرد فكرة.
لابد ان تقوم الرؤية والخطط على دراسة متكاملة للأوضاع الراهنة حتى لا تنفصل عن ارض الواقع، ولا تكون مجرد أفكار نظرية معلقة فوق الرؤوس، ولا بد من تحديد نقاط الضعف، ونقاط القوة والتعامل معها بواقعية، كما يجب ترتيب الأولويات، والاستعانة بها في وضع الخطط قصيرة وبعيدة الاجل، كما لابد من مراجعة وقياس الأداء بصورة دورية وفق المقاييس والجداول الزمنية الموضوعة، والتعديل حسب مقتضيات الامر، واضعين في الاعتبار ان الهدف هو تحقيق تطلعات المواطن، فهدف الحكومات هو خدمة المواطنين، وليس السعي للسلطة.
السند والدعم الشعبي هو الركيزة الأساسية لاي نشاط سياسي ناجح، فالجماهير هم أصحاب الحق في السلطة والسيادة، واهم أصحاب المصلحة، وبدون الشرعية الجماهيرية، تصبح الحكومة الموازية مجرد مغامرة فاشلة، ولذلك يجب ان تسبق الفكرة تحشيد ومحاولة استقطاب للدعم والسند الجماهيري، ولا يتأتى ذلك الا بالعمل المتصل وسط الجماهير ودوام التواصل الفعال، وانتهاج الشفافية التامة، وطرح الفكرة بكل تفاصيلها، مع اثارة الحوار الهادف، الموضوعي حولها، حتى تجد القبول والدعم عند استطلاع الآراء، اما ان كانت الفكرة مبنية على خيارات نخبة او قيادات سياسية نتيجة حوارات داخلية بينهم، فلن تكون ثمرتها سوى حكومة غير شرعية جديدة، ومزيد من التشظي وسط الجبهة المعارضة، فكون الحكومة الانية غير شرعية ولا تجد السند الشعبي لا يعني ان بديلها سيكون احسن حظا، فهو رهان خاسر!
لتعزيز الشرعية الجماهيرية، لا بد من توسيع قاعدة المشاركة لتشمل منظمات المجتمع المدني، والأحزاب السياسية، والحركات المسلحة، والشخصيات الوطنية المستقلة ذات القبول الداخلي، والخارجي، وتحالف بهذا الحجم يعزز من الشرعية السياسية، ويوفر توازن في التمثيل، وفي اتخاذ القرار، وبالتالي يعزز من الاستقرار السياسي ومن فرص النجاح، ولكن ايضا لا بد انه يحمل في داخله الكثير من الخلافات والتناقضات، وانعدام الثقة نتيجة تراكمات الماضي، خصوصا ان كان في الواجهة عدد مقدر من الوجوه المألوفة، والتي فشلت في التنسيق على الحد الأدنى بصورة فعالة ذات ثمار مرئية للجميع، فمجرد فكرة الحكومة المدنية لا تزيل عوامل الفشل ومعوقات النجاح، وانما قد تضيف اليها الكثير، ولذلك فان الوحدة الداخلية بين مكونات الحكومة الموازية، ليست مجرد توافق على أهداف، واليات، بل تتضمن أيضًا القدرة على التنسيق والعمل المشترك دون حدوث انقسامات أو صراعات داخلية على مراكز القرار، وذلك يتطلب توزيع المهام بشكل عادل وفعال، كما يتطلب المقدرة على التعامل مع الخلافات الداخلية وفق الية متوافق عليها، ذات مهام وصلاحيات محددة.
قد تحاول بعض الجهات الاستعاضة عن السند والدعم الشعبي بالعمل المسلح وخلق تكتلات وتحالفات جبهوية، ولكن قوة السلاح لم تكن في يوم من الأيام مصدرا للشرعية، وانما أداة للقهر وفرض السيطرة والهيبة وفق رؤية أصحابها، بدون اعتبارات لتطلعات الشعب الحقيقية ولذلك فهي تنتج حكومة غير شرعية جديدة، وتعوق الجهود الحقيقية لانتزاع الشرعية، بل ستمنح الحكومة المنازعة شرعية ما كانت لتحلم بها، ودعما شعبيا وجماهيريا فوق تطلعاتها، ولن يجني المواطن صاحب القضية سوى الخسران.
العمل المسلح ليس مصدرا للشرعية، ولكنه يتكامل مع العمل الجماهيري (الشرعية الجماهيرية)، ليوفر الحماية من بطش الطغاة، ان استدعى الامر، فهو له دور تكاملي واساسي في نجاح الحكومة الموازية وحمايتها من مقاومة الحكومة الحالية والجماعات المسلحة الموالية لها، او أي جماعات مسلحة أخرى داخلية او خارجية، غير موالية للحكومة الموازية، وذلك يتطلب دمج كل تلك الجماعات المسلحة في مجموعة واحدة، تحت القيادة المدنية للحكومة الموازية، وذلك لضمان وحدة القرار، وعدم تعدد مراكز القوة ومراكز القرار.
لتجد الحكومة الموازية السند الشعبي، والشرعية، لابد لها من ان تكون قادرة على تقديم خدمات حقيقية للمواطن، وهو تحدي كبير عجزت عنه كل الحكومات السابقة، ولذلك مع وضوح الرؤية والبرامج، لابد لها من مصادر تمويل مستدامة، تمكنها من تنفيذ تلك البرامج، والا فإنها لا ينطبق عليها وصف الحكومة، وانما مجرد طلاب سلطة. وموضوع التمويل امر معقد وسلاح ذو حدين، فهو بجانب انه يسهل للحكومة أداء مهامها الاساسية، الا انه دوما موضع تشكيك وطعن فيها، ولوصمها بالعمالة والارتهان للجهات الممولة، خصوصا ان كانت اجنبية، وبذلك تتيح الفرصة لخصومها لتشويه صورتها، وبالتالي فقدانها للدعم والسند الشعبي (تصبح غير شرعية)، ولذلك يفضل ان يكون التمويل ذاتيا، يعتمد على مصادر محلية، خصوصا ان كان من يقومون على امر الحكومة الموازية محل اتهام وتشكيك، لذلك يجب ان تشمل الخطة مصادر تمويل مضمونة، ومقبولة لدي المواطنين.
القدرة على تقديم خدمات حقيقية للمواطن، تعني بالضرورة إضافة لكل ما سبق ذكره، التواصل مع المؤسسات القائمة، وإعادة المتعطل منها للخدمة، وذلك قد يتطلب التعامل مع سلطة الامر الواقع في كل المناطق والتنسيق معها لضمان وصول الخدمات لمستحقيها في كل البقاع، مما يخلق امر معقد وشائك في العلاقة مع الحكومة المنازعة، ويمنحها نوعا من الشرعية والاعتراف، وهو امر لابد من اعتباره، والوقوف عنده، ان لم يكن الغرض من الحكومة الموازية تقسيم البلاد حسب مواقع السيطرة والنفوذ. قد يتطلب التنسيق مع حكومة الأمر الواقع، الاستعانة بالمنظمات الأممية والإقليمية لتكون الوسيط وحلقة الوصل، وذلك يعزز من أهمية القبول، والسند الدولي والإقليمي.
السند الدولي والإقليمي يمثل ركيزة أساسية لتعزيز شرعية الحكومة وبالتالي يلعب دور أساسي في تعزيز فرص نجاحها.. ويتطلب ذلك دبلوماسية شعبية، قوامها الجاليات في الخارج، والتي تلعب دورا أساسيا في تعريف الدول والمنظمات الخارجية بالحكومة الموازية، وتأكيد مساندتهم لها ودعمها، وهو يعني بالضرورة تواصل القائمين على امر الحكومة الموازية مع تلك الجاليات، والشفافية في تمليكهم الحقائق والمعلومات، والتعامل معهم كشركاء حقيقيين.
السند الدولي لا يقتصر فقط على تعزيز الشرعية، وانما يتعدى ذلك لتقديم الدعم الفني والمادي (المنظمات الأممية)، مما يعزز فرص نجاح الحكومة ويزلل العديد من العقبات، مثل التنسيق في بعض المراحل، او ممارسة الضغط على حكومة الأمر الواقع وحصارها، لتخضع لإرادة الشعب وتسلمه السلطة كاملة وفق ترتيبات سياسية تتوافق عليها الأطراف صاحبة المصلحة.
هنالك العديد من العوامل والمقومات التي تلعب دورا في إنجاح الحكومات الموازية، او تجعل منها فكرة قابلة للتطبيق، مما لا يتسع له المجال في مقال مختصر، ولكن الغرض هو تفتيح بعض أبواب الحوار الموضوعي، في واحدة من اخطر القضايا المطروحة في الساحة السياسية اليوم، ويمكنها ان تلعب دورا كبيرا في نجاح الاجسام الفاعلة في تحقيق تطلعات الشعب، او، لا قدر الله، ربما تكون قاصمة الظهر للعمل الجماهيري، واحد أسباب تقسيم للبلاد، او الوصول لمرحلة اللا دولة، وصفحة جديدة من معاناة الشعب، وتدمير للبلاد وللوحدة الوطنية.. فقد تعودنا خلال تاريخنا السياسي على العمل وفق الشعارات، وقد ان الأوان لنتحول من ذلك للعمل العلمي المدروس، والمبني على ظروفنا الانية الموضوعية، وليس فقط على النظريات، او تجارب الغير.
نورث كارولينا – 31 ديسمبر 2024
المصدر