السياسة السودانية

الحكومة الموازية .. نعم .. ولا !! (1)

عبده الحاج 

تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي خلال الايام الماضية موضوع مقترح الحكومة الموازية، والذي تقدمت به بعض مكونات تقدم مرة أخرى في اجتماعها الاخير، ورغم ان المقترح لم يجد القبول، الا ان الأمر على ما يبدو، لم يتم حسمه بصورة نهائية، ولا يزال قيد التداول بينهم كافراد وجماعات، وقد حاولت بعض المجموعات استضافة متحدثين من تقدم لطرح الموضوع للحوار بسبيل من الشفافية وتمليك الحقائق، ولكن لم يكتب لتلك المحاولات النجاح، فرأينا ان نعرض الموضوع بصورة عامة للتداول بغرض توسيع دائرة الحوار وتقييم المقترح، وسنبدأ في الحلقة الأولى بتعريف مبسط واستعراض لبعض التجارب السابقة والحالية

الحكومة الموازية او حكومة الظل، هو مفهوم يشير إلى كيان يعمل بشكل موازي ومستقل خارج الإطار الرسمي للسلطة القائمة في الاطار الجغرافي او الاداري المعين، وهو كشأن كل المفاهيم الإنسانية، لم يكن وليد لحظة معينة، وانما نشأ من بدايات سحيقة وتطور تطورا وئيدا عبر القرون متخذا صورا واشكالا قد يكون مفهوم الحكومة الموازية فيها باهتا، يكاد لا يُري اذا ما قِيس بمفهومنا الحاضر لها، ولكنها تكون جلية بمقاس وقتها ولأهله، وهي صور من افراد او كيان يعمل كبديل أو منافس للسلطة القائمة سياسية كانت ام دينية او عرقية، وكثيرا ما توصف تلك المحاولات بالتمرد .. والخروج، لان السلطة الرسمية هي التي تتحكم في العقول عبر صور الاعلام المختلفة.

لو مددنا خيالنا قليلا، لوجدنا ان المفهوم والممارسة تمتد لعهود سحيقة، حيث تظهر زعامات موازية كلما كبر وضعف زعيم الجماعة، فتنمو الزعامة الموازية شيئا فشيئا، حتى يحصل الاحلال حسب قانون (البقاء للأقوى)، ولكن الصور الاوضح خبرنا عنها تاريخ العصور الوسطى، حيث ظهرت سلطة دينية لها سطوتها وهيمنتها على السلطة الزمانية القائمة، فكانت حكومة (روحية) داخل الحكومة (السياسية)، لها صلاحيات لا يتدخل فيها الملوك، كما انها احيانا تملي على الملوك وتفرض عليهم بعض القوانين، وكذلك الامر بخصوص سلطات الاقطاعيين، او حكومات بعض المدن الكبيرة مثل البندقة في ايطاليا القديمة والتى تميزت بسلطات مستقلة خارج نفوذ الامبراطور.

هذا فيما يخص الحكومات الموازية، والتي نشأت نتيجة التطورات الطبيعية للمجتمعات في تلك العصور، وهي سلطات (حكومات) موازية تتعايش مع السلطة القائمة، وفي كثير من الاحيان تخدمها بسبيل من المصالح المشتركة، كما هو حال من يُسمُّون رجال الدين منذ تلك العهود الغابرة، وحتى يومنا الحاضر، وان كانت تلك العلاقة لا تخلو من شد وجذب، وتنافر وتنافس، ولكن الصور الاوضح للحكومات الموازية هي تلك التي تاتي كثمرة لثورات، وحركات مقاومة، ضد نظام غالبا ما يكون قمعي.. ظالم.. ومستبد، فتلك الحكومات الموازية تتمتع بسند ودعم شعبي كبير نوعا ما، وهو أحد اهم مقومات نجاح الحكومات الموازية، ولذلك نجدها كثيرا ما تُحدث تغييراً ايجابياً، ان توفرت لها القيادة الرشيدة.

من أبرز الامثلة لذلك النموذج من الحكومات في منطقة الشرق الأوسط، كانت حكومة حماس (حركة المقاومة الإسلامية) والتي نشأت في قطاع غزة كزراع عسكري لحركة الاخوان المسلمين، ابان الانتفاضة الفلسطينية عام 1987، وبعد عشرون عاما من تأسيسها، استطاعت حماس السيطرة على قطاع غزة بالقوة، بعد اشتباكات مع الحكومة الفلسطينية والتي كانت تسيطر عليها حركة فتح، واعلنت حكومة موازية لادارة القطاع بمعزل عن السلطة الفلسطينية، وكانت تعتمد في تمويلها بصورة كبيرة على دعم مالي من دول موالية مثل قطر، وإيران ولحد ما تركيا.

أيضا من النماذج الهامة في المنطقة كانت الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، والتي كان اسمها روجافا (تعني الغرب باللغة الكردية)، ولكن بعد ان توسع نفوذها الجغرافي ليشمل مناطق ذات اغلبية عربية، تم تغيير الاسم ليصبح الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، وقد كان التأسيس الرسمي لها في يناير 2014 لتشمل في وقتها ثلاث مناطق رئيسية (الجزيرة، عفرين، وكوباني)، ثم توسعت لاحقا، كما ذكرنا لتضم مناطق عربية مثل دير الزور، والتي تحتوي على موارد نفطية كبيرة شكلت مصدر الدخل الرئيسي للإدارة الذاتية، بجانب أنشطة اقتصادية أخرى، ودعم دولي محدود غير مباشر وقد لعب ذلك الاستقلال الاقتصادي دور كبير في ما حققته من نجاحات.

وقد تبنت الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا نظام حكم فيدرالي، يعتمد على الديمقراطية المباشرة والإدارة التشاركية، معتمدا على مجالس محلية تتمتع بسلطات واسعة، وتتميز بتمثيل عرقي، وديني، ونوعي، وكان يتقاسم المناصب القيادية رجل وامرأة (القيادة المشتركة).

هنالك نماذج مماثلة مثل حكومة الإنقاذ الوطني في ليبيا، وحزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن، او شكل الإدارة الذاتية التي تتمتع بها الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة الأستاذ عبد العزيز الحلو في مناطق سيطرتها.

ومن النماذج المماثلة في افريقيا نجد حركة التيغراي في اثيوبيا، وحكومة أرض الصومال في شمال غرب الصومال، و حكومة زنجبار (شبه المستقلة) وأيضا حكومة إقليم كابيندا، في شمال أنغولا، وهي حكومة منفى لا وجود لها على الأرض، رغم ان فصائلها المسلحة لازالت نشطة في الإقليم.

ويلاحظ ان كل هذه الحكومات الموازية تعتمد على قوة مسلحة، فرضت بها وجودها وسيطرتها، وإنها لم تحقق استقرار حقيقي في المنطقة، عدا حكومة ارض الصومال، والتي حققت استقراراً نسبياً.. مقارنة باوضاع بقية البلاد، كما يلاحظ ان الدوافع العرقية هي السمة الغالبة للنماذج الافريقية، والتي غلب عليها أيضا عدم الاعتراف الدولي.

هنالك نماذج لحكومات موازية في المنفى (حكومات منفى) مثل حكومة منظمة التحرير الفلسطينية في ستينيات القرن الماضي، والحكومة السورية  المؤقتة في تركيا، وحكومة بيافرا النيجيرية في المنفى، و حكومة إقليم كابيندا، في شمال أنغولا، وحكومة التبت، والروهينغا (ميانمار) وغيرها، وهي حكومات تستخدم النشاط الإعلامي والدبلوماسي للحفاظ على شرعيتها، او كسب الشرعية بجانب محاولة السيطرة على أراضيها، وكلها حكومات تواجه مشاكل متعددة، ومعظمها لم يحقق نجاحات تذكر، سوى لفت الأنظار، عدا حكومة التبت والتي نجحت في أهدافها المعلنة في الحفاظ على الهوية، والعمل السلمي والدبلوماسي، وذلك لحد كبير يرجع لما تتمتع به من قيادة ذات نفوذ وقبول محلي ودولي ودعم شعبي يكاد يكون مطلق (الدالاي لاما)، بجانب ان أهدافها لا تصادم السلطة القائمة وتنازعها الشرعية.

وكذلك من النماذج الناجحة لحكومات المنفى تجربة حكومة جمهورية الصين في المنفى (تايوان)، والتي تاسست عام 1949 بواسطة قادة الحزب القومي (الكومينتانغ) بعد هزيمتهم في الحرب الاهلية من قبل الحزب الشيوعي بقيادة ماو تسي تونغ، وتعتبر انجح حكومة منفى، حققت الاستقرار لشعبها، وان عجزت عن استرداد أراضيها، عدا مناطق سيطرتها.. وهي بطبيعة الحال يمكن النظر اليها كانقسام وانفصال في البلد الواحد اكثر من كونها حكومة موازية.

نتابع


المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى