السياسة السودانية

التعاطي مع موضوع استسلام كيكل من القصص المحيّرة

عيون المها بين الرصافة والجسر ..
=========================
التعاطي مع موضوع استسلام كيكل من القصص المحيّرة؛
المنطقي إنّه ناس “بل بس” هم الينادوا بالتنكيل بيه، ودعاة وقف الحرب وأدعياء السلام يرحّبوا بتسليمه ويدعو بقيّة قادة الدعم السريع للاستسلام، زي ما دعوا قادة الجيش من قبل للاستسلام و”تغليب المصلحة الوطنيّة”؛
لكن في الواقع بنلقى الناس الكانوا بتكلّموا عن السلام ووقف الحرب بأيّ شكل هم الأكثر إصراراً على تجريم كيكل والمطالبة بمحاسبته؛
الغريبة ما كانوا بجرّموه لمن وقعت الجرايم دي وهو مع الدعم السريع؛
ولا حسّة بجرّموا قادة الدعم السريع المسئولين عن الجرائم الحصلت بعد داك؛
بجرّموك بعد تسيب المجرمين!!
في نظرة ثانية يمكن التناقض دا يتفكّ ليك وتقدر تستوعبه؛
الحاصل إنّه تعاطي الجيش والشعب والدولة مع موضوع كيكل دا بنسف سرديّة أولياء الميليشيا المحاولة تصوّرنا كدمويّين ودعاة حرب؛
وبدعم السرديّة المتبنّيها الجيش في التعامل مع الموضوع كحالة تمرّد على الدولة يجري إخمادها؛
فنهاية المسألة من المنظور دا بتكون بالخضوع لسلطة الدولة، مش بإبادة الجنجويد؛
والحاصل في الحقيقة إنّه الجنجويد هم المتعاملين مع الموضوع كحرب إبادة، زي ما بيشير أخونا Mouiz Siddeg.
المشاهدة دي أنا مقدّمها كمدخل لمناقشة موضوع أعمق، وهو دوافع القوى المدنيّة الموالية للجنجويد؛
حاجة مدهشة الحقيقة إنّه منذ بداية الحرب بنلقاهم مايلين لدعمهم على استحياء؛
لكن المدهش أكتر هو الجهر بدعمهم بعد ظهور وجههم القبيح؛
على لسان أسماء محمود والنور حمد والفكي وغيرهم؛
ثمّ السعي الجاد لتوفير حماية دوليّة لهم وقصقصة أجنحة الجيش بعد تلقّيهم للهزائم الأخيرة؛
غرابة السلوك دا بتخلّينا نفترض إنّه عمالة مدفوعة الأجر؛
وقد نتبنّى العنوان دا للأغراض السياسيّة؛
لــــــــــــكـــــــــــن؛
مستوى الولاء والتفاني دا صعب استيعابه في إطار العمالة الأجيرة؛
فضلاً عن إنّه بعض المنخرطين فيه “مستغنين” يعني عن تعاطي الأجر الرخيص؛
القصّة أكبر من كدا ..
نجاح أيّ رواية، ربّما، بيعكس قدرتها على عكس نماذج جيدة للواقع، حتّى لو كانت الرواية فانتازيا تدور في عالم افتراضي؛
رواية ملك الخواتيم، Lord of the Ring، واحدة من أكتر الروايات الاتوزّعت عبر التاريخ، إن لم تكن الأكثر؛
ولو قريتها، أو شاهدت الأفلام الثلاثة، ما ح يفوت عليك مشاهدة دقّة تصويرها لديناميّات الحياة ودوافع البشر؛
القصّة تدور حول خاتم سحري يمنح السلطة لصاحبه؛
صنع ملك الظلام مجموعة من خواتيم السلطة وزّعها على ملوك البشر والجنّ والأقزام؛
بينما صنع الخاتم الملك سرّا، وأودعت فيه القدرة السحريّة على إخضاع بقيّة الخواتيم لسلطته!
الفكرة، بتجريد، تحكي عن سحر السلطة؛
فيه مجموعة من البشر والجن قاومت الشر، وهزمت ملك الظلام؛
لكن بدل ما ينسفوا الخاتم ويرتاحوا، غلبت عليهم شهوة السلطة، وبقوا دايرين يسخّروا الخاتم لأغراضهم؛
وطبعاً الواحد بيزيّن لنفسه نبل أغراضه؛
واااا؛
الداير يمشي يحضر الفلم، أو يعيد مشاهدتها؛
ونحن نكتفي بهذا القدر؛
ونرجع لفلمنا المناظر في أرض الواقع ..
الظاهر لينا نحن إنّه النخبة السياسيّة في قحت\تقدم مستعبدة للميليشيا وأوليائها؛
لكن الظاهر لي إنّه هم ما شايفين الحاجة دي، بل بتحرّكهم دوافع السيطرة على الميليشيا وتسخيرها لأغراض نبيلة؛
هكذا زُيّن لهم الأمر؛
الحاجة دي بتظهر ليك بجلاء في القصاصة المرفقة لتغريدة حديثة [١] لهشام عبّاس، أحد أقلامهم المشهودة؛
أجاد التعبير عن إعجابه بمقاتلي الجنجويد وتثمينه لقدراتهم، وإنّه خسارة نخسرهم، ياريت نستفيد منّهم؛
ولسنا بصدد مناقشة وتفنيد الكلام عن شجاعة وإقدام شباب الجنجويد، موضوعنا هو نظرة النخبة ليهم؛
– في جانب صاح في كلامو؛ الدعامة قوات مشاة كبيرة ومقدامة و احتمال اذا لقو التأهيل و التدريب النفسي السوي يبقو جنود لي جيش البلد.
دا تعليق صديقة، المهم فيه إنّها واقفة في صف الجيش؛
والحاجة دي قالها محمّد الفكي قبل كدا في أثناء الحرب دي؛
لكن هشام تعبيره أبلغ؛
وهو صادق جدّا في تصوّره ليهم كقوّة يمكن أن تكون خيّرة، كما يمكن أن تشاهد في تغريدة سابقة له [٢]، بيعبّر فيها عن امتنانه لانتقام السماء له، على يد الجنجويد، ممّن ظلمه.
المشكلة وين في راي هشام والفكي وغيرهم من دعاة السلام؟
المشكلة إنّه ما دام الحرب كعبة، وأيّ مشكلة بتتعالج بالتفاوض، إنت داير بالجنود الأقوياء المقدامين شنو؟
بيتكلّموا عن حل الجيش الذي يسيطر عليه الإسلاميّون، وبناء جيش قومي مهني موحّد الخ الخ؛
عشان نعمل بيه شنو؟
إنت داير تحارب منو بعد تصنع السلام؟!
هنا بيظهر ليك العمق الذكرناه فوق؛
الناس ديل دايرين جيش يحاربوا بيه “الأشرار الجد جد”؛
اللي هم كائن هلامي كدا، تتراوح أوصافه ما بين الكيزان والفلول والبلابسة وأبواق الحرب وغير ذلك؛
بيتنوّع التوصيف؛
لكن تظل هنالك صفة موحّدة؛
يمكن تلخيصها في كلمة واحدة؛
تقدر تحزرها؟!
نعم؛
“الأعداء”؛
هم مقتنعين تماماً بأنّه فيه أشرار لا تسعهم مظلّة السلام، وينبغي محاربتهم؛
لكن بالنسبة ليهم الجنجويد ديل شرّهم عارض، جوهرهم خيّر؛
وكلّ البدر منّهم دا “تجاوزات”، أو كما قالت أسماء محمود؛
ف هم دايرين يروّضوا الأبطال ديل عشان يستخدموهم في محاربة الأشرار الحقيقيّين!!
هنا يللا بيظهر عمق جديد، أكبر من العمق الفات؛
قبل شويّة وقفنا عند تناقض شعارات السلام؛
وحسّة جينا لتناقض شعارات الدولة المدنيّة والمساواة الاجتماعيّة؛
فالنخبة في تقدم، وخارجها، البتدّعي الدفاع عن حقوق المجتمعات الجوا منّها الجنجويد، ما دايرة تمنحهم الحق في اختيار مواقعهم من المجتمع المدني، بل دايرة تستثمر فيهم كقاتلين “أشاوس”؛
والحاجة دي بتوافق هوى في نفوس الجنجنود ديل؛
ولذلك فهي fair win-win situation، أليس كذلك؛
أبداً؛
الفكرة بتتفهم في قول الله تعالى: ﴿وَإِن أَحَدٌ مِنَ المُشرِكينَ استَجارَكَ فَأَجِرهُ حَتّىٰ يَسمَعَ كَلٰمَ اللَّهِ ثُمَّ أَبلِغهُ مَأمَنَهُ ذٰلِكَ بِأَنَّهُم قَومٌ لا يَعلَمونَ﴾ [التوبة ٦]؛
إنت ما ورّيته مزايا الحياة المدنيّة عشان يعرف يختار؛
وإنّما أمّنت ليه على خياره الاختاره عن جهل؛
أوضح نموذج للحاجة دي لمن في اجتماعهم تغنّوا بعزّة والجماعة زعلوا، قاموا قالوا ليهم عزّة انت أساس وام قرون برضو أساس؛
كدا شايفين روحهم راضوهم وأنصفوهم، لكن هم غشّوهم، ما أكتر؛
حرموهم من مشاهدة الحاجة في “عزّة” الخلّت يغنّوا ليها خليل فرح وعبد الله دينق، النوبي والجنوبي!
يعني باختصار، انت بتحرمهم من الانصهار في المجتمع المدني بأنّك توافقهم على خيارات بنوها على معلومات غير مكتملة بالنسبة ليهم.
إذن فالنخبة داخل قحت\تقدم، والكثيرين خارجها، بيحاولوا يستغلّوا أبناء “المجتمعات المهمّشة” البيدّعوا الدفاع عنها وتبنّي قضاياها، وبيخدعوهم من خلال تلبية طموحاتهم الاجتماعيّة المبنيّة على قصور في رؤيتهم عن إدراك مزايا الحياة المدنيّة؛
يعني بيوحوا ليهم إنّهم دايرين ينصفوهم قصاد “عيال خرتوم”، من غير ما يورّوهم أكبر نعمة عايشين فيها عيال خرتوم، وهي تجاوز هذه العقليّة العشائريّة؛
عيال خرتوم، في المقابل، ما دايرين ينفردوا بالنعيم الاقتصادي “الاستحوذوا” عليه، كما يُصَوَّر للمجتمعات المهمّشة؛
والتعبير دا ذااااته جزو من التصوير دا 😄؛
وإنّما بيرحّبوا بتمدّد المجتمع المدني، لأنّهم واعين إنّه الانتعاش الاقتصادي بيكمن في عمليّة التبادل نفسها، مش تكديس الموارد؛
يعني داير يدّيك من العنده ويشيل من العندك ويشتري بيه من واحد تالت، لأنّه هكذا بتحصل المنفعة!
عشان الفكرة توضيح ليك أكتر، ممكن تقارن بي طرح مغاير قدّمته قبل كدا (كأحد أقلام الثورة، ولو كره الكارهون) في القصاصتين التاليتين [٣، ٤]؛
الرسالة الأولى المقتضبة دي أيّام الاعتصام؛
والنص المفصّل دا من خارطة طريق مقترحة لما بعد #مليونية30يونيو؛
يعني قبل مذبحة يونيو وبعدها، بكل ما تركته من جراح، ما تغيّرت رؤيتي نحو استيعاب شباب الدعم السريع في مظلّة الدولة المدنيّة بالشكل البيعتقهم من أسر الحرب ويفتح ليهم أبواب السلام؛
وإلى الآن، وبعد كلّ مآسي الحرب، ح أستمر ساعي نحو تفكيك الدعم السريع، وإطلاق سراح منسوبيه من استعباد حميدتي وإخوانه وأوليائه ومواليه الدايرين يستخدموهم كلاب حراسة؛
أنا دايرهم يشوفوا الرصافة، زي ما في قصّة الشاعر البدوي ديك؛
وحميدتي ذاته كنّا دايرينّه ينزل ميدان الاعتصام ويآكل الناس ويشاربهم؛
وحمدوك كذلك وجّهت ليه الدعوة للمشاركة في #يوم_القيادة، وتمنّيت يتبنّى الدعوة هو ذاته ويدعو السفراء والرؤساء الأجانب عشان يشوفوا نموذج التمازج المدني السوداني الحصل في ساحة الاعتصام؛
لكن ديل ما دايرينّنا نمتزج على مستوى الأفراد، وإنّما نتوازن على مستوى الجيوش!
ربّ قائل، وح تشوف في التعليقات، إنّه هشام بيقصد نفس الكلام القلته دا، بالإشارة لكلامه عن “آلات تقوم على أكتافها الوطن”؛
أنا ذاتي شكّيت لوهلة؛
لكن كلامه التالي أزال شكوكي تماماً؛
فالحديث عن “القوّة والإرادة والشراسة والأقدام” يتعلّق بالتوظيف العسكري؛
وهشام عبّاس ما شخص مفرد، وإنّما هو جزو من منظومة نخبويّة بتسوّق لتوجّهات سياسيّة معيّنة؛
والأزمة الواقعين فيها، ومتجلّية في هشام بالذات، وفي بعض الجمهوريّين كذلك، هي نزعة حصر الشر؛
الحاجة دي ظاهرة شديد في استيتس هشام السابق الأرفقناه دا [٢]: ما قادر يشوف حجم الدمار والتشريد الحصل لمدينة كاملة عشان تتحقّق العدالة ليه هو؛
بالنسبة ليه دا مجرّد حادث عرضي، collateral damage، زيّه وزي أيّ زلزال وللا غيره، لكن ما فيه شر للأهالي ديل، لأنّه الجنجويد ما أشرار؛
هو عارف الأشرار منو، والجنجويد بحاربوا فيهم، يبقوا أشرار كيف؟!
ومن هنا بتجي عبارة أسماء محمود البتشوف إنّه الأولويّة للقضاء على الحركة الإسلاميّة؛
دا منبع الشر في الدنيا بالنسبة ليها؛
والحقيقة الأنا مقتنع بيها، زي ما كتبت بدري، قبل الثورة ذاته، في سياق تجريدي [٥] وآخر أدبي [٦]، إنّه ماف شر ذاته!
فيه تركيبات ممكن نقول عليها شريرة، من بينها الحركة الإسلاميّة ومن بينها الدعم السريع؛
علاجها بيكون بتفكيها، مش بإبادة أفرادها؛
المهم؛
تظل هنالك شبهة إنّه هشام عبّاس فعلاً بيقصد القلته في القصاصتين ديل؛
لو قال قاصد كدا فعلاً، فليكم علي أنزّل ليه اعتذار كبير هنا دا؛
لــــــــــــكـــــــــــن؛
ليه عليكم توصّلوا ليه إنّه ما هكذا تورد الأبل؛
وليكم علي أوضّح لأيّ زول متبنّي كلام عبّاس دا بينما قاصد قصدي إنّه مخطئ خطأ بليغ؛
بليغ للغاية؛
للحد؛
عارف ليه؟
لأنّه زي كلام هشام دا، بي صيغته دي، هو بالضبط الأداة الاستخدمها النظام لتحويل الشباب ديل لوحوش كاسرة؛
لمن تقعد تصفّق لما تسمّيه إرادة وإقدام، وهو في الحقيقة وضاعة وإجرام، فإنت بتزيّن ليهم المدخل الممكن يدخلوا بيه في المجتمع المدني الما خابرين مداخله؛
إنت قايل حميدتي بقى مجرم كيف؟!
قايل الترابي ذاته بقى مجرم كيف؟
قايل إبليس ذاااته بقى مجرم كيف؟!
هشام والمعاه ديل بيعكسوا صورة خاطئة جدّا عن فكرة الدولة المدنيّة والمجتمع المدني للمكوّنات البدويّة الخايفة من الذوبان في بنية الدولة دي؛
بيعزّزوا ليهم قيم الشراسة والإقدام والفزع وغيرها المااا بتشتغل شديد في تصميم الدولة المدنيّة؛
وبالمقابل بزدروا ليهم ملامح البنية المدنيّة بازدراء جامعة الخرطوم (كلّيّة غردون) والجيش القومي (جيش سناء) وأوّل السودان (أوّل شهادة الكيزان) والقلم ما بزيل بلم والكلام الفارغ دا؛
بل وصلوا مرحلة ازدراء وردي ومحمّد الأمين، عليهما رحمة الله، عشان يخطبوا ود الجنجويد!
فإنت يا هشام، وللا يا الجايي تدافع عنّه في التعليقات، لو جد جد داير الدولة تستوعب طاقة الشباب ديل وتستفيد منّهم، حقّو أوّل حاجة تفهّمهم إنّه هم ما أحسن من الناس؛
ولا أشجع من الشباب الخلّوا ليهم بيوتهم ونزحوا ديل؛
فهّمهم إنّه الناس النزحوا ديل خلّوا ليهم طوب وزلط، وشالوا مدنهم معاهم [٧]؛
فهمّهم إنّهم فاهمين غلط؛
وابدا أشرح ليهم كيف فكرة الحياة المدنيّة؛
ولو انت ما عارفها، تعال انت و هم شان نشرح ليكم!
—————————
[١] تغريدة حديثة لهشام عبّاس: https://x.com/hishamkerma/status/1859993785326809469?s=46…
[٢] تغريدة سابقة لهشام عبّاس https://x.com/hishamkerma/status/1791544936220741858?s=46…
[٣] رسالة مفتوحة لحميدتي: https://www.facebook.com/share/15LtER2eyS/?mibextid=WC7FNe
[٤] بروتوكول السلطة التمهيديّة\رؤية مستقبليّة لشباب الدعم السريع، ضمن رؤية استراتيجيّة لما بعد #مليونية30يونيو: https://www.facebook.com/share/1NnSorbJsn/?mibextid=WC7FNe
[٥] المخاض الأليم: https://www.facebook.com/abdalla.gafar.3/posts/10161112337250707
[٦] لقاء عابر (قصّة روائيّة): https://www.facebook.com/abdalla.gafar.3/posts/10161125789845707
‏[٧] https://www.facebook.com/share/1Agh9RoagB/?mibextid=WC7FNe

Abdalla Gafar


مصدر الخبر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى