التضخم يتعمق في مصر… نقص بالأدوية وسط الغلاء وشحّ الدولار
تشهد مصر نقصاً في عشرات الأصناف من الأدوية، ولا سيما المتعلقة بالأمراض الحرجة، مثل القلب والأورام السرطانية والغدد، في الوقت الذي يتعمق فيه التضخم وسط شحّ في الدولار، لينال الغلاء، بنحو أكبر، من القدرات الشرائية لمعظم المواطنين.
وواجهت الشركة القابضة للمصل واللقاح، التابعة للحكومة نقصاً حاداً في لقاحات الأطفال حديثي الولادة، منها حقن البريفينار والروتا، طوال الأسبوع الماضي، وفق ما أكدت مصادر في الشركة، موضحة أن إنتاج الأمصال واللقاح تراجع بسبب عدم قدرة الشركة على الحصول على الدولار لشراء مستلزمات الإنتاج من الخارج.
يأتي نقص الأدوية عبر القنوات الرسمية، في وقت تنتشر تجارة الأدوية المهربة من الخارج، التي تُباع خارج الصيدليات، عبر سماسرة يستغلون حاجة المرضى، رغم مخاطر توريد أدوية منتهية الصلاحية وأخرى مغشوشة. بينما فرضت هيئة الشراء الموحد الحكومية حصصاً لبيع الأدوية لشركات التوزيع والصيدليات والجهات الحكومية، توزع شهرياً، وفقاً لقدرتها على تدبير الدولار، ودراسة إمكانية توفير أدوية محلية مقابلة، للمنتج الأجنبي.
وتشهد منافذ التوزيع الرسمية زحاماً يومياً من المواطنين والأطباء الراغبين في الحصول على حصص من الأدوية للعلاج وتشغيل العيادات الخاصة، بينما تبلغ حدة الزحام مداها في المعاهد الطبية ومستشفيات التأمين والحكومية، والراغبين في الحصول على جرعاتهم المقررة لعلاج الأورام والأمراض المزمنة.
ورصد مؤشر أسعار المستهلكين الذي أصدره جهاز التعبئة والاحصاء، نهاية الأسبوع الماضي، قفزة في أسعار المنتجات والأجهزة والمعدات الطبية وخدمات المرضى بالعيادات والمستشفيات بنسبة 22.6% في يوليو/تموز الماضي، عن الفترة نفسها من عام 2022، وبزيادة 3.8% عن يونيو/حزيران 2023.
وواصل معدل التضخم بشكل عام إلى مستوى قياسي غير مسبوق بنسبة 38.2% على أساس سنوي الشهر الماضي، وسط توقعات بمواصلته الصعود خلال الأشهر المقبلة. ويشعر المواطنون بالانزعاج، ويدفع الذين يعيشون بالقرب من خط الفقر إلى الوقوع في دائرة الفقر، بما يفقدهم الأمل في ظهور شواهد على تحسن أحوالهم المعيشية، وفقاً لدراسة اقتصادية للدكتور إبراهيم عوض، أستاذ السياسات العام بالجامعة الأميركية بالقاهرة.
وأكد علي عوف، رئيس شعبة الأدوية في غرفة القاهرة التجارية، في تصريح لـ”العربي الجديد” أن شركات الأدوية تحرك أسعار البيع للجمهور، لمواجهة ارتفاع تكاليف الإنتاج، مشيراً إلى وجود 180 مصنعاً محلياً للأدوية، يستورد المواد الخام المستخدمة في صناعة الدواء من الخارج بالعملة الصعبة.
وأضاف عوف أن قيمة الاستثمارات في تلك المصانع وصلت إلى 120 مليار جنيه العام الماضي (3.87 مليارات دولار)، لافتاً إلى أهمية رفع أسعار بعض المنتجات، لتتمكن الشركات من مواصلة الإنتاج، وتوفير الدواء المحلي، وبدائل الأدوية الأجنبية، للمستهلكين بأسعار مقبولة.
ورفعت 80 شركة أدوية أسعار 600 صنف دوائي منذ يناير/كانون الثاني الماضي، بزيادة 30% على الأسعار السائدة عام 2022. وقال عوف إن الشركات المنتجة تقدمت بطلبات للهيئة العامة للدواء لرفع أسعار المنتجات، وتحريك التسعيرة الجبرية، التي لا يمكن المساس بها، دون موافقة رسمية من الدولة، بعد تقديم الشركات المنتجة لكل المستندات الدالة على ارتفاع التكاليف. وأضاف أن هيئة الدواء تفحص مطالب الشركات برفع السعر لكل دواء على حدة، وتدرس تكاليف الإنتاج والتحولات التي وقعت بأسعار المدخلات، قبل أن تسمح بزيادة السعر.
يشير رئيس شعبة الأدوية في غرفة القاهرة التجارية إلى وجود 17 ألف دواء، في السوق المحلية، ارتفع منها ما يعادل 5% فقط، بينما لم تسجل 16.5 ألف صنف دواء أية ارتفاعات خلال تلك الفترة، مؤكداً أن زيادة الأسعار ترجع إلى ارتفاع تكلفة الإنتاج، بما لا يقل عن 80% من سعر البيع، مدفوعة بتراجع الجنيه وتضاعف قيمة الدولار في الأسواق المحلية، مع زيادة تخطت 100%، بأسعار المواد الخام ومستلزمات الإنتاج وارتفاع أجور العاملين بالشركات.
وتابع أن الشركات تسعى حالياً لزيادة معدلات تصدير الدواء المحلي، للأسواق الأفريقية، والدول العربية لتوفر العملة الصعبة التي تحتاجها في شراء مستلزمات الإنتاج بوسائلها الخاصة، وبما يمكنها من زيادة القيمة المضافة التي يصعب تحقيقها في السوق المحلي الذي يجبر الشركات على أسعار رسمية، غير قابلة للتغيير دون قرارات وزارية.
تباع بعض المنتجات الطبية خارج نظام التسعير الجبري والخاصة بالمكملات الغذائية والفيتامينات والمنتجات الصحية والنظافة الشخصية والتجميل، وفاقت الزيادة ضعف أسعار العام الماضي.
وينفي حسام عبد الغفار، المتحدث باسم وزارة الصحة، وجود نقص في الأدوية، مؤكداً في تصريحات صحافية أخيراً توافر الأدوية اللازمة للأمراض المزمنة، مشيراً إلى أن بعض الأدوية غير المتوافرة باسم تجاري معين، توجد مثيلاتها بأسماء أخرى، وبالمادة الفعالة نفسها، مع توفير حصص من الأدوية المستوردة بالتوازي مع تدبير المنتج المحلي لأغلب الأدوية، وصرفها على نفقة الدولة والتأمين الصحي. ويبرر عبد الغفار عدم وجود بعض الأدوية إلى تراجع الإنتاج ببعض الدول، لارتفاع تكاليف التشغيل، وتوقف سلاسل الإمداد.
لكن خبراء اقتصاد يؤكدون أن نقص الدولار يلقي بظلال قاتمة على سوق صناعة الدواء، وغيره من الصناعات الحيوية في الدولة، متوقعين أن تزداد أزمة العملة الأميركية خلال الفترة القادمة، مدفوعة بزيادة الفجوة التمويلية، وعدم تمكن الحكومة من تنفيذ برنامج الطروحات الحكومية (طرح حصص بالشركات للقطاع الخاص)، وفقاً للجداول المتفق عليها مع صندوق النقد الدولي في ديسمبر/كانون الأول 2022، وارتفاع معدلات الفائدة على الدولار، ولجوء الحكومة إلى استيراد الغاز والمازوت لحل أزمة الكهرباء، مع حاجتها إلى 15 مليار دولار لشراء القمح والسلع الأساسية من الخارج.
العربي الجديد
مصدر الخبر