السياسة السودانية

الإشارة الأخطر في عودة الميرغني!!

بالأمس عاد السيد محمد عثمان الميرغني إلى السودان بعد غياب دام لأكثر من عشرة أعوام قضاها مرشد الخاتمية ورئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل بالقاهرة، وهي عودة ذات دلالات وأهمية كبرى خاصة من ناحية التوقيت والظرف السياسي الخطير الذي يمر به السودان .
– قاصر في النظر قطعا هو من يظن أن عودة الميرغني عودة عادية ولن تحمل جديد، وهذه رؤية يتبناها البعض منطلقين فيها من تقديراتهم لشخصية زعيم الختمية ومواقفه القديمة ولكن الآن الأمر مختلف جداً.
– لم يكن الميرغني على خلاف مع نظام الإنقاذ والرئيس البشير وقد سقط النظام والحزب في قمة الشراكة والتوافق، ومحمد الحسن الميرغني مساعد أول للبشير، وحاتم السر سكينجو أقرب المقربين للميرغني وأقوى عناصر الاتحاديين وزيرا للتجارة وقد قال قولته المشهورة في أخر خطاب جماهيري للبشير بالساحة الخضراء والأزمة في أوجها والنظام يتداعى للسقوط بفعل الأزمات والمؤامرات قال حاتم للناس ،لن تكون هنالك صفوف بعد اليوم إلا صفوف الصلاة وأننا قاتلنا الإنقاذ بشجاعة وصالحناها بشجاعة .. وقد صدق حاتم فهو لم يخرج بعد سقوط النظام ليعتذر عن مشاركتهم للبشير ولم يقل شراً خوفا أو طمعاً فقد كان فعلا شجاعا.
– إذن لم يكن هنالك خلاف حتى يبقى الميرغني في الخارج وإنما هي تقديرات شخصية خالصة، ولم يعد كذلك بعد سقوط نظام البشير إلا عودته أمس بعد أربع اعوم من ذهاب النظام.. يأخذ الناس على زعيم الختمية أنه كان سلبيا في كثير من المنعطفات الخطيرة التي مرت بالسودان وأن ردة فعله لذلك هو الصمت والانزواء .. حتى أن الناس بدأوا في التشكيك في صحة الميرغني ، ووصل الأمر إلى أن أي عضو في الحزب الاتحادي يمكنه أن يخرج للناس ويقول أنه مبعوث مولانا ويقول على لسانه ما يقول، ولا تكاد تسمع صوتا للميرغني حتى أصبح في مخيلة الناس شيئا لا يُسمع ولا يُرى..

– قبل اسبوع خرج الميرغني للناس ليقول قولا سديداً عبر فيديو مصور .. تحدث الميرغني بثبات وصوت مسموع ورسائل قوية وواضحة حسم أمر مشاركة الحزب في دستور تسييرية المحامين مجهول الأبوين، ووجه ابنه جعفر بحسم التفلتات في الحزب .. بهذا الخطاب انتهى دور الحسن الميرغني ورفيقه إبراهيم الميرغني حتى كانت النهاية المحزنة بطردهم من المطار بتوجيهات مولانا التي دونها رفض النزول من الطائرة ذاتها..
-وصل الميرغني إلى الخرطوم بطائرة خاصة وفرتها له الحكومة المصرية .. ويتحدث الناس عن علاقة الميرغني بالقاهرة، وهي علاقة معلومة ومفهومة تستند إلى توجه الحزب الذي يدعو للوحدة مع مصر مرة واحدة .. ولكن السؤال هل لمصر دور في هذه العودة ؟؟ الإجابة نعم .. مصر تدعم خط التوافق في السودان وتقف ضد توجهات سفراء الرباعية والآلية الثلاثية وإن لم يكن الموقف المصري لمصلحة السودان فهو لمصلحتها التي تتوافق مع المصلحة العامة في هذا الظرف السياسي الخطير .. لماذا ذلك؟ لأن مصر تعي مدى التعقيدات السودانية أكثر من غيرها وهي الأحرص لأنها المتضرر، وبماذا ستُضر الإمارات مثلا اذا دخل السودان في الفوضى وحكم المليشيات.

– السؤال: هل عودة الميرغني عودة عادية؟ الإجابة لا.. لا التوقيت ولا الظرف سيجعل منها عودة عادية.. حسم الحزب الحسن وابراهيم الميرغني الذين تماهوا مع الخط الخارجي للتسوية في السودان وانهت هذه العودة دورهم وأظنها للأبد.. قد يقول قائل أن موقف الميرغني ليس مأمونا حتى آخر المطاف والتعويل عليه بهذا الاندفاع شيء من الاندفاع العاطفي.. الإجابة: ليس هذا بصحيح لجهة أن الموقف الحالي للميرغني يكفي وليس بمطلوب أن يكون موقفا استرتيجيا طويل المدى .. السودان يحتاج حاليا إلى مواقف سريعة وحاسمة توقف مؤامرة المجتمع الدولي وهذا متوفر في موقف الميرغني الحالي الذي يصلح للمدافعة واعادة التوازن للساحة وليس سهلا أن يتراجع الميرغني عن هذا الموقف..

– في تقديري أن أخطر ما حملته هذه العودة هي في اشارات الاستقبال الحاشد والكبير للميرغني من المطار والى دار ابو جلابية.. اثبت هذا الاستقبال العفوي أن السودان لا زال يحتفظ بطبيعته القديمة بالرغم من المحاولات التي استمرت منذ العام ٢٠١٩ لتغيير التركيبة السودانية واستبدالها بحواضن جديدة تعتمد على المال والمليشيات والقبائل .. لقد تفاجأ من صرف المليارات خلال الأعوام الماضية أنه حرث في البحر وأن هذا السودان تحكمه قواعد قديمة .. في نظري هذه هي الفائدة الكبرى من عودة مرشد الختمية.. هذه البلاد قائمة على أربعة أرجل في تشكيلها السياسي وهي الاسلاميين بطوائفهم السياسية، والختمية بتشكيلاتهم، والأنصار باختلاف بيوتهم.. واليسار بإختلافاته.. علينا إن كنا حريصين على السودان أن نحرص على هذه الأسس وألا نسمح باستبدالها بوضع جديد قائم على المال السياسي والعمالة والحواضن المصنوعة.. علينا أن نحافظ على هذا الوضع وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ..
عودا حميدا مولانا محمد عثمان الميرغني..

محمد أبوزيد كروم

ehtimamna


مصدر الخبر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى