استقلال السودان رموز ومعاني – النيلين
الاستعمار هو ظاهرة تهدف إلى سيطرة دولة قوية على دولة اخرى وبسط نفوذها من أجل استغلال خيراتها ومختلف ثرواتها الاقتصادية والثقافية وغيرها وهذه الكلمة ذات مدلولات ومعاني كثيرة بخلاف كلمة الاستقلال الذي في ارتباطه بالدول يعني تحقيق السيادة وحرية الإرادة وحفظ كرامة المواطن وتحقيق رغباته ونيل الحرية والسيادة الوطنية من أي سلطة خارجية ، وإذا كان هذا الاستقلال مشروطاً، يتم التعبير عنه بدولة شبه مستقلة وليس استقلالاً تاماً ويختلف عن الحكم الذاتي الذي يعد نظاما للامركزية السلطة من جانب بعض المناطق ، التي تشمل المجتمعات المحلية أو دولة واحدة .
وفي مثل هذا اليوم من العام 1956 م نال السودان استقلاله وفي هذا التقرير تتناول (سونا) مراحل النضال ضد الاستعمار وكيف نال السودان استقلاله وقد بذلت في فترة استعمار البلاد جهود كبيرة ، حيث ناضل أبناء السودان من أجل نيل الاستقلال ، وكانت قصص النضال ضد الاستعمار تشمل كل بيت وكل حي شارك فيها جميع الفئات شيبا وشبابا نساءا ورجالا وعبرت النخبة السودانية المتعلمة عن ارائها، وكان للحركة العمالية كذلك دورها ،وبدأ الجميع في التعبير والتأكيد على ضرورة نيل الاستقلال.
وتم تكوين الاتحادات والجمعيات للعمل من أجل الاستقلال حيث ظهرت جمعية الإتحاد السوداني في العام 1921م ثم جمعية اللواء الأبيض وبرز قائدها العسكري البطل علي عبداللطيف وكذلك عرف البطل عبدالفضيل الماظ .
وتم خلال فترة النضال لنيل الاستقلال تكوين المؤتمر العام للخريجين، الذي تم تأسيسه كجمعية لخريجي كلية غوردون ثم احتضن كل المتعلمين السودانيين ، وكان المؤتمر قد ركز اهتماماته في الأنشطة الاجتماعية والتعليمية في فترة تكوينه الأولى ثم اتجه للجوانب السياسية والمطالبة باستقلال البلاد .وشهدت هذه الفترة توحد القومية السودانية .
وكان للفن السوداني دوره الكبير في توحيد جموع الامة السودانية وإلهاب المشاعر للمناداة بنيل الاستقلال وتحرر البلاد من قيود المستعمر وكان الكل يردد الاناشيد الوطنية التي ملأت الساحة السودانية ومنها أغنية انا سوداني انا للعطبراوي :
كل اجزائه لنا وطنٌ.. إذ نباهي به ونفتتنُ نتغني بحسنه ابداً.. دونه لايروقنا حسنُ لو هجرناه فالقلوب به .. ولها في ربوعه سكن ُ نتملي جماله لنري.. هل لترفيهِ عيشه ثمنُ غير هذي الدماءِ نبذلها.. كالفدائي حين يُمتـَحنُ بسخاءٍ بجرأةٍ بقويً.. لا يني جهدها ولا تهـِنُ تستهينُ الخطوبُ عن جلدٍ.. تلك تنهالُ وهي تتزنُ أنا سوداني أنا ، أنا سوداني أنا
وحين ترديدها تتعالى وتيرة هذه الكلمات :
غير هذي الدماءِ نبذلها.. كالفدائي حين يُمتـَحنُ بسخاءٍ بجرأةٍ بقويً
وتعلو الوتيرة في ترديد جماعي :
انا سوداني انا
وهي كلمات توحد القلوب فانا وانت ونحن جميعنا تجمعنا كلمة سودان
وفي العام 1943، تم تنظيم حزب الاشقاء بقيادة السيد اسماعيل الأزهري وهو أول حزب سياسي حقيقي في السودان، فيما تم تشكل حزب الأمة برعاية عبد الرحمن المهدي.
وفي عام 1951 م شكل الأزهري والختمية الحزب الاتحادي الديمقراطي .
وتم بعد ذلك تشكيل برلمان مكون من مجلسي الشيوخ والنواب 1954م .
وعقد البرلمان جلسة تاريخية في 19 ديسمبر حيث تقدم السيد “عبد الرحمن محمد إبراهيم دبكة” نائب دائرة بقارة نيالا غرب باقتراح بأن يتم تقديم اعلان باسم الشعب السوداني للحاكم العام من البرلمان بأن السودان أصبح دولة مستقلة كاملة السيادة والمطالبة من دولتي الحكم الثنائي بريطانيا ومصر الاعتراف بذلك مشيرا لاجتماع كلمة الشعب السوداني المجيد في المطالبة بالاستقلال الكامل والسيادة للبلاد .
وثنى على الاقتراح السيد “مشاور جمعة سهل” (نائب دار حامد غرب) وقال: (جلسة كهذه سوف يسجلها في سجل الشرف تاريخ هذه البلاد المجيدة وسوف تكون حداً فاصلاً بين عهد الاستعمار وعهد الحرية الكاملة والسيادة التامة والانعتاق الذي يجعل السودان أمة بكل مقوماتها لا تستوحي في شؤونها الداخلية والخارجية إلا مصلحة الشعب وإرادة الأمة وتقيم علاقاتها مع الدول جميعاً على قدم المساواة بين ند وند لا سيد وعبد).
وتحدث في الجلسة السيد “محمد أحمد محجوب” (زعيم المعارضة) مطالبا دولتي الحكم الثنائي الاعتراف الفوري بذلك .
وقال ( لا شك عندي في أن هذا الشعب السوداني شعب عظيم توفرت لديه كل مقومات العظمة، شعب يعرف متى يختلف وعلى ماذا يختلف، كما يعرف متى يلتقي ويقف صفاً واحداً فكلما ادلهمت الأمور ودهمتها الحوادث وكاد الشك يتسرب إلى نفوس الحادبين علينا وظنوا بنا الظنون، وحسبونا قد تفرقت كلمتنا برزت كلمة الشعب وقوته وتقديره لمصائر الأمور واستطعنا أن نجتاز الصعاب وأن نخط سطراً ناصعاً في تاريخ هذه البلاد وتاريخ أبنائها).
وتحدث السيد/ “مبارك زروق” (زعيم المجلس) قائلاً (أننا نجلس هنا كنواب للأمة السودانية في هذا البرلمان الذي يمثل جميع وجهات النظر في البلاد والذي اعترفت دولتا الحكم الثنائي بصدق تمثيله في أكثر من مناسبة.. من حقنا بهذا الوصف يسندنا في ذلك الرأي العام السوداني كله ممثلاً في هيئاته وصحفه أن نعلن الاستقلال اليوم).
وتمت إجازة الاقتراح بالإجماع .
وسار النواب من مبني البرلمان القديم بشارع الجمهورية الواقع قبالة القنصلية المصرية في موكب مهيب يتقدمه الزعيم الراحل إسماعيل الأزهري وبجانبه الأستاذ محمد احمد محجوب المحامي وزعيم المعارضة في البرلمان ووصلوا قصر الحاكم العام وقدموا مذكرة للحاكم العام تحوي قرار مجلس النواب بإعلان إستقلال السودان من داخل البرلمان وتسلم الحاكم العام المذكرة لرفعها للحكومة البريطانية ووافقت بريطانيا على منح السودان استقلاله .
وفي الاول من يناير 1956م تم الإعلان رسميا عن استقلال السودان وتم إنزال علمي دولتي الحكم الثنائي ورفع علم السودان على سارية القصر الجمهوري .
والسودان نال استقلاله بإجماع كلمة الشعب السوداني وتوحد الكل على كلمة سواء وبحب الوطن والعمل الدؤوب لصالحه .
سونا
مصدر الخبر