إبراهيم عثمان: تسوية بروكرستية !
( “سرير بروكرست” … إنه القولبة الجبرية، والتطابق المُعْتسف، والانسجام المُبَيَّت، إنه افتئاتٌ على الواقع قَلَّما يفلت من غضبة المنطق وانتقام الحقيقة ) – الدكتور عادل مصطفى
( في وثيقة .. هسة ما ظاهرة .. قاعدة في الأدراج .. مقفولة .. عشان تكونوا عارفين الكلام دا .. ما يغشوكو ساكت .. في وثيقة .. الكلام الهسة بنططوا فوقو دا .. نحن اتفقنا عليهو يا جماعة .. ومضينا فوقو يا جماعة .. ” إن العهد كان مسؤولا” .. أوفوا بالعهود .. نحن والله يا جماعة غير لسانا دا ما عندنا أي حاجة .. فقدنا مصداقيتنا بعد التغيير دا .. والله أنا في وادي والناس كلها في وادي ) – محمد حمدان دقلو
▪️ تقول الأسطورة اليونانية إن بروكروست كان يضجع الشخص على سريره ويمط رجليه إلى الحافة إن كان الراقد قصيرًا، أو يبتر الرجلين إن كان طويلًا، وظل يفعل هذا إلى أن جاءه “ثيسيوس” وطبق عليه قانونه، لكن بتعديل طفيف، إذ أضجعه على سريره وقاس الزائد ( من جهة الرأس ) وقطعه !
▪️ إذا طبقنا هذا على التسوية الجارية، فإننا نجد أن قانون بروكرست يعمل بالطريقتين : المط، والبتر . فقد مط بروكرست الأجنبي مجموعة منتقاة من أحزاب قحت على سرير التسوية ، بعد أن بتر الأجزاء الزائدة من الجسد القحتي لظنه أنها لن تلبي كامل شروط التبعية !
▪️ وبالمعاكسة الكاملة لاشتراط المشاركة الواسعة لتسليم السلطة، صادقت على هذه العملية وثيقة سرية حملت التفاصيل الدقيقة لعمليتي المط والبتر، وربما حملت تفاصيل أخرى أكثر تحكماً لضمان استدامة حكومة التبعية، وقد أقر حميدتي بأن الإقصاء هذه المرة له وثيقة خاصة موقعة ومخفية عن الشعب وقواه السياسية، ومحكمة الإغلاق في الأدراج ! ورأى بأن تفاصيلها الإقصائية المتفق عليها تعلو على أحاديثه القديمة وأحاديث زملائه الحالية عن ضرورة المشاركة الواسعة !
▪️ وكما حدث في زمن القحط من إفقار لكثير من المعاني رأى حميدتي أنه قد بلغ قمة الشفافية بهذا الاعتراف الذي أتى متأخراً بعد شهور من التوقيع السري على الوثيقة السرية، وأتى إضطرارياً، وفي إطار تنافسه الشخصي/صراعه مع زملائه، وأتى ناقصاً إذ لم يكشف عن كل مضمون الوثيقة السرية، وأشار فقط إلى أنها تتضمن الأطراف المحظية والأطراف المقصية !
▪️والتقحيط أصاب أيضاً معنى الوفاء بالعهد، إذ لم يعد هو ذلك العهد المعلن الذي بين الحاكم وشعبه، وإنما ذلك السري الذي بينه وبين أطراف خارجية، وقلة تفضلها هذه الأطراف الخارجية . وهذا ليس استنتاجاً متعسفاً، وإنما هو ما قاله الرجل حرفياً قبل أسابيع ( كان قلنا ما مسِّيرانا السفارات كضبنا .. لكن دا بإرادتنا وبطوعنا وباختيارنا .. لكن برضو يا جماعة الاتفاق الماشي دا نحن مؤيدنو وماشين فيه ) ..
▪️ ذات الشيء ينطبق على معنى المصداقية الذي حدثت له خسارة دلالية فادحة بمقدار المسافة بين التحذير قديماً من اتفاقات التآمر/”تحت التربيزة”، والتشديد حديثاً على قدسيتها التي تعلو على كل القدسيات، وكلمتها التي تجب كل الكلمات !
▪️ وينطبق على كلمة “الغش”، فالخسارة في معناها كانت من الفداحة بحيث أن من شارك في الاتفاقات السرية يظن أنه هو أبعد الناس عن الغش، بكشفه – مضطراً – عما حدث من غش للشعب وقواه السياسية، وبانتقاده لمن يرى بأنهم قد تراجعوا عن هذا الغش، وبمدحه لنفسه لأنه الوحيد الذي لا زال ( في وادي ) التمسك بتنفيذه كاملاً !!
▪️ تُرى هل سيقبل الشعب بالمط/التوسعة الاضطرارية الشكلية البسيطة، كخيار يطرحه بعض المكون العسكري، ويرفضه حميدتي، أم لن يرضى بأقل من بتر التسوية على طريقة ثيسيوس، لأنها بادئة بالغش، ومؤسسة على الاستغباء، ومستمرة بـ”التسيير”، ومرهصة باستئناف مسيرة الفشل ؟
مخرج :
( كل شيء حدث قبل لقائي إياها, كان إرهاصاً. و كل شيء فعلته بعد أن قتلتها كان اعتذاراً, لا لقتلها, بل لأكذوبة حياتي ) – الطيب صالح
إبراهيم عثمان
مصدر الخبر