(أعمال ورشة الإصلاح العسكري والأمني): تحت الرماد وميض نار
أخطر مراحل العمل السياسي تمر بها الحالة السياسية السودانية اليوم.
تتمثل هذه الخطورة في الالتفاف حول أهداف العمل السياسي.
في السابق كان يتم الانقضاض على العمل السياسي بصورة مباشرة وواضحة، وذلك بحجة الحفاظ على أمن وسيادة البلد.
حيث لم يتم إخفاء العمل العسكري على العملية السياسية.
فلا عبود ولا جعفر نميري ولا عمر البشير تنكروا لعسكريتهم
بل حتى الذين راوا انضمام السودان لمصر إبان الحقبة الوطنية لتحرير السودان صرحوا بذلك مباشرة ودافعوا عن هدفهم هذا بلا أدنى غموض.
وها هو الحزب الشيوعي لم يدار نفسه تحت أي مسمى يخفي نفسه خلفه إزاء هذا الفكر اليساري.
أما اليوم ومع تداعيات استغلال أهداف ثورة ١٩ ديسمبر ٢٠١٨ برزت هذه السياسة الجديدة الخطيرة تدب وتطرق أبواب السياسة السودانية.
ظهرت هذه السياسة الخطيرة والتي لخصتها (أعمال ورشة الإصلاح العسكري والأمني) التي أقيمت الأحد الموافق السادس والعشرين من مارس الجاري وسط حضور كل الذين يمسكون بزمام العملية السياسية بالسودان من عسكريين ومدنيين.
من خلال الخطابات التي ألقيت خلال هذه الورشة اتضح تماما أن السودان داخل على مرحلة إذا استمر عليها وحققت أهدافها، فهذا يعني أن السودان لن يعد كالسودان من حيث وحدته الوطنية.
لن يعد من حيث التحكم في موارده البشرية والطبيعية.
لن يعد من حيث ثقافته وعاداته ومثله.
ظهرت (أعمال ورشة الإصلاح العسكري والأمني) بالأمس وهي تكشر عن أنيابها بثلاثة ازدواجيات كل ازدواجية أخطر من الأخرى.
الازدواجية الأولى: هي الحديث عن جيش واحد في حين ظهرت الورشة بقائدين مستقلين تماما قائد يمثله الجيش وهو الفريق البرهان وقائد يمثل الدعم السريع وهو الفريق حميدتي.
الخطورة هنا ليست في القوتين الموجودتين على الساحة، وإنما الخطورة في الازدواجية التي ظهرت بها القوتان.
كلا القوتين تدعوان لجيش واحد وفي ذات الوقت ظهرت كل قوة في الورشة تمثل نفسها.
هذه الكارثة لم تكن موجودة قبل الأزمة السياسية الحالية.
ظهرت أزمة الازدواجيات بعد هذا الفراغ السياسي المريع.
ومعروف عن أي ازدواجية هي عبارة عن مخطط ناسف لكل برنامج وطني.
الازدواجية الثانية: بدت من خلال الورشة باقتناعها الكامل بالتحول المدني الديمقراطي وإظهار رغبتها الأكيدة بأن السياسة حق مدني، وفي ذات الوقت يظهر من خلال الورشة ذاتها تمسك العسكريين بالسلطة لدرجة لا تخفى.
ولا أحد من خلال حضور هؤلاء العساكر يعتقد ولو للحظة أن هؤلاء العساكر يعملون على تمهيد المدنيين لاستلام السلطة.
الازدواجية الثالثة: ظهرت كذلك من خلال التدخل السافر للأجنبي الذي تمثل في شخص فولكر، فالمستمع إليه من خلال هذه الورشة لا يتعلق بذهنه إطلاقا أن هناك أي دلالة تشير إلى أن حل المشكل السياسي بالسودان سيكون سوداني سوداني، ولا حتى سوداني أجنبي بل هو من خلال مشاركة فولكر والآلية الثلاثية والآلية الرباعية أن الحل القادم للمشكل السوداني هو أجنبي أجنبي، ورغم ذلك ما انفك أصحاب الورشة يتحدثون عن أن الحل السياسي هو سوداني سوداني ولا يسمح إطلاقا بأي تدخل أجنبي.
ولا أحد يستطيع أن يفسر إزاء حديثهم هذا وجود الأجانب الذين يملؤون قاعة الورشة هل هم مشجعون لكرة القدم أم أنهم سياح؟؟؟
هذه الازدواجيات الثلاث أخطر ما جاد به الصراع السياسي اليوم.
ازدواجية الإصلاح العسكري الأمني المتمثل في وجود قوتين متوازيتين تتناولان كل القضايا بمنصات منفصلة رغم الحديث عن الوحدة.
ازدواجية الحديث عن التحول الديمقراطي رغم قبضة الجيش القوية للسلطة.
ازدواجية الحديث عن استقلالية القرار السياسي السوداني رغم التدخل السافر للأجنبي.
هذا الوضع إذا استمر بهذه الازدواجيات، فإن الحديث عن وحدة الجيش أو الحديث عن حكم مدني أو الحديث عن استقلال سياسي سيكون ضربا من السخف وضربا من مضيعة الوقت.
وأي مبادرة تتخذها أي جهة في ظل وجود أصحاب هؤلاء الازدواجيات ستموت في مهدها.
لقد رسخت (ورشة الإصلاح العسكري والأمني) التي أقيمت بالأمس لهذه الازدواجيات.
هذه الازدواجيات التي تعتبر جديدة تماما على العمل السياسي السوداني، فهو رغم ضحالته وسطحيته إلا أنها ستقضي على أي مشروع وطني قادم.
هذه الازدواجيات ستعمل على تثبيت وترسيخ الديكتاتوريات.
ستعمل على تحقيق غايات وأطماع الأجنبي وبصفة قانونية وشرعية لا أحد يستطيع أن يهاجمها.
إذا نفذ أصحاب هذه الازدواجيات ما يرمون إليه فقل على السودان السلام.
صحيفة الانتباهة
مصدر الخبر